الملهوف ::: 151 ـ 165
(151)
وهم يقولون : يا حسين إنك رائحٌ (24) إلينا عن قريب ».
    وفي بعض الروايات : « غداً ».
    قال الراوي (25) : فطمت زينب وجهها وصاحت.
    فقال لها الحسين عليه السلام : « مهلاً ، لا تشمتي (26) القوم بنا ».
    ثم جاء الليل ، فجمع الحسين عليه السلام أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم أقبل عليهم وقال : « أما بعد ، فإني لا أعلم أصحاباً خيراً منكم ، ولا أهل بيتٍ أفضل وأبر من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي ، وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم ، فإنهم لا يريدون غيري ».
    فقال له إخوته وأبناؤه وأبناء عبدالله بن جعفر (27) : ولم نفعل ذلك ، لنبقي بعدك ! لا أرنا الله ذلك أبداً ، وبدأهم بهذا القول العباس بن علي ، ثم تابعوه.
    قال الراوي (28) : ثم نظر إلى بني عقيل (29) وقال : « حسبكم من القتل
(24) ر : راحلٌ.
(25) قال الراوي : لم يرد في ر. الراوي ، لم يرد في ب.
(26) ر : لا يشمت.
(27) عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ، صحابي ، ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها ، وهو أول من ولد بها من المسلمين ، كان كريماً يسمى بحر الجود ، وللشعراء فيه مدائح ، وكان أحد الأمراء في جيش علي يوم صفين ، توفي بالمدينة سنة 80 هـ ، وقيل : غير ذلك.
    الإصابة ترجمة رقم 4582 ، فوات الوفيات 1/209 ، تهذيب ابن عساكر 7/325 ، الأعلام 4/76 ، زينب الكبرى للشيخ جعفر النقدي.
(28) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر.
(29) عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ، أبو يزيد ، أعلم قريش بأيامها ومآثرها ومثالبها وأنسابها ، صحابي فصيح اللسان شديد الجواب ، وهو أخو علي وجعفر لأبيها ، وكان أسن


(152)
بصاحبكم مسلم ، إذهبوا فقد أذنت لكم ».
    وروي من طريق آخر قال : فعندها تكلم إخوته وجميع أهل بيته وقالوا : يابن رسول الله فماذا يقول الناس لنا (30) وماذا نقول لهم ، إذ تركنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وإمامنا وابن بنت نبينا ، لم نرم معه بسهم ولم نطعن معه برمح ولم نضرب معه بسيف ، لا والله يابن رسول الله لا نفارقك أبداً ، ولكنا نقيك بأنفسنا حتى نقتل بين يديك ونرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك.
    ثم قام مسلم بن عوسجة (31) وقال : نحن نخليك هكذا وننصرف عنك وقد أحاط بك هذ العدو ، لا والله لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة بيدي ، ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولم أفارقك أو أموت دونك.
منهما ، هاجر إلى المدينة سنة 8 هـ ، عمي في أواخر أيامه ، توفي أول أيام يزيد ، وقيل : في خلافة معاوية.
    الإصابة ترجمة رقم 5630 ، البيان والتبيين 1/174 ، الطبقات 4/28 ، التاج 8/30 ، الأعلام 4/242.
(30) لنا ، لم يرد في ر.
(31) مسلم بن عوسجة الأسدي ، من أبطال العرب في صدر الإسلام ، أول شهيد من أنصار الحسين بعد قتلى الحملة الأولى ، كان صحابياً ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ، كان يأخذ البيعة للإمام الحسين عليه السلام في الكوفة ، عقد له مسلم بن عقيل على ربع مذحج وأسد حين تحركه القصير الأجل ، كان عند حضوره وقعة كربلاء شيخاً كبير السن ، وكان من الشخصيات البارزة في الكوفة ، أبدى شبث بن ربعي أسفه لقتله.
    رجال الشيخ : 80 ، تاريخ الطبري 5/435 و 369 ، البحار 45/69 ، الأخبار الطوال : 249 و 250 و 252 ، الكامل في التاريخ 4/28 ، الأعلام 7/222 ، أنصار الحسين : 108 ، تسمية من قتل مع الحسين : 52 وفيه : مسلم بن عوسجة السعدي من بني سعد بن ثعلبة قتله مسلم بن عبدالله وعبيدالله بن أبي خشكاره.


(153)
    قال : وقام سعيد (32) بن عبدالله الحنفي فقال : لا والله يابن رسول الله لا نخليك أبداً حتى يعلم الله أنا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد صلى الله عليه وآله ، ولو علمت أني أقتل فيك ثم أحيى ثم أحرق حياً ثم أذرى ـ يفعل بي ذلك سبعين مرة ـ ما فارقتك حتى ألقى حمامي من دونك ، فكيف (33) وإنما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً ؟!
    ثم قام زهير بن القين وقال : والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة وأن الله يدفع بذلك القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وولدك وأهل بيتك.
    قال : وتكلم جماعة من أصحابه بمثل ذلك وقالوا : أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا ، فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا.
    وقيل لمحمد بن بشير الحضرمي (34) في تلك الحال : قد أسر إبنك بثغر الري (35).
(32) ر : سعد.
(33) ع : وكيف لا أفعل.
(34) ب : محمد بن بشير الحضرمي.
    وفي ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات 180 ذكر نص هذا الخبر وذكر اسمه كما هنا ، لكن في تاريخ الطبري 5/444 وأنساب الأشراف : 196 ذكر اسمه بشير بن عمرو ، فلاحظ.
(35) ر : بشعر الروم ، والمثبت من : ب. ع.
    والثغر بالفتح ثم السكون : وراء كل موضع قريب من أرض العدو ، كأنه مأخوذ من الثغرة التي هي في الحائط.
    والري : مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن ، كثيرة الفواكه والخيرات ، وهي محط الحاج على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخاً وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخاً.
    معجم البلدان 2/79 و 3/116.


(154)
    فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحب أن يوسر وأن أبقى بعده.
    فسمع الحسين عليه السلام قوله فقال : « رحمك الله ، أنت في حل من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابنك ».
    فقال : أكلتني السباع حياً إن فارقتك.
    قال : فأعط إبنك هذه البرود (36) يستعين بها في فكاك أخيه.
    فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.
    قال الراوي (37) : وبات الحسين عليه السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل ، ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد ، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً (38).
    قال (39) : فلما كان الغداة أمر الحسين عليه السلام بفسطاطه فضرب وأمر بجفنة فيها مسك كثير وجعل فيها نورة (40) ، ثم دخل ليطلي.
    فروي : أن برير بن حصين (41) الهمداني وعبدالرحمن بن عبد ربه
(36) البرد بالضم فالسكون : ثوب مخطط ، وقد يقال لغير المخطط أيضاً ، وجمعه برود وأبرد ، ومنه الحديث : الكفن يكون برداً ...
    مجمع البحرين 3/13.
(37) الراوي ، لم يرد في ر.
(38) في نسخة ع جاء بعد قوله اثنان وثلاثون رجلاً :
    وكذا كانت سجية الحسين عليه السلام في كثرة صلاته وكمال صفاته ، وذكر ابن عبد ربه في الجزء الرابع من كتاب العقد قال : قيل لعلي بن الحسين عليهما السلام : ما أقل ولد أبيك ؟ فقال : العجب كيف ولدت له ، كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء.
(39) قال ، لم يرد في ر.
(40) ر : وأمر بحفية فيها مسك كبير وجعل عندها نورة. والمثبت من ب. ع.
(41) ب. ع. خضير ، وفي حاشية ر : حضير خ ل.


(155)
الأنصاري (42) وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن.
    فقال له عبدالرحمن : يا برير أتضحك ! ما هذه ساعة ضحك ولا باطل.
    فقال برير : لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً ، وإنما أفعل ذلك استبشاراً بما نصير إليه ، فوالله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ، ثم نعانق الحور العين.
    قال الراوي (43) : وركب أصحاب عمر بن سعد ، فبعث الحسين عليه السلام برير بن حصين (44) فوعظهم فلم يسمعوا وذكرهم (45) فلم ينتفعوا.
    فركب الحسين عليه السلام ناقته ـ وقيل : فرسه ـ فاستنصتهم فأنصتوا ، فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله ، وصلى على محمد صلى الله عليه وآله وعلى الملائكة والأنبياء والرسل ، وأبلغ في المقال ، ثم قال :
    « تباً لكم أيتها الجماعة وترحاً (46) حين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين ، سللتم علنا سيفاً لنا في ايمانكم ، وحششتم علينا ناراً اقتد حناها
(42) ر : عبد الرحمن عبد ربه. والمثبت من ب. ع.
    وهو عبدالرحمن بن عبد ربه ـ رب ـ الأنصاري من بني سالم بن الخزرج ، كان أمير المؤمنين عليه السلام رباه وعلم القرآن ، أحد الذين كانوا يأخذون البيعة للحسين عليه السلام في الكوفة ، ويبدو أنه كان من إحدى الشخصيات البارزة.
     تاريخ الطبري 5/423 ، رجال الشيخ : 76 ـ 77 ، تسمية من قتل مع الحسين : 153 ، البحار 45/1 ، أنصار الحسين : 97.
(43) الراوي ، لم يرد في ر.
(44) ع : خضير. حاشية ر : حضير.
(45) ب : ومذكرهم.
(46) ر : وبرحاً.


(156)
على عدونا وعدوكم ، فأصبحتم أولياء (47) لأعدائكم على أوليائكم بغير عدلٍ أفشوه (48) فيكم ولا أملٍ أصبح لكم فيهم.
    فهلا ـ لكم الويلات ـ تركتمونا والسيف مشيمٌ والجأش ضامرٌ والرأي لما يستحصف ، ولكن أسرعتم إليها كطير الدبا ، وتداعيتم إليها كتهافت الفراش.
    فسحقاً لكم يا عبيد الأمة ، وشرار (49) الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ومحرفي الكلم ، وعصبة الآثام ، ونفثة (50) الشيطان ، ومطفئ السنن.
    أهؤلاء تعضدون ، وعنا تتخاذلون ؟!
    أجل والله غدرٌ فيكم قديم وشحت عليه (51) أصولكم ، وتأزرت عليه فروعكم ، فكنتم أخبث شجاً (52) للناظر وأكلة للغاصب.
    ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين : بين السلة ، والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية : من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.
    ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وخذلان الناصر ».
(47) ع : ألباً.
(48) ر : أفشوا.
(49) ع : وشذاذ.
(50) في حاشية ر : وفئة خ.
(51) ع : وشجت إليه.
(52) ع : ثمر شجاً.


(157)
    ثم أوصل (53) كلامه عليه السلام بأبيات فروة بن مسيك المرادي (54) :
« فـإن نهزم فهزامن قدما وما أن طبنا جبن ولكن إذا ما الموت رفع عن أناس فأفنى ذلك سروات قومي فلو خلد الملوك إذاً خلدنا فقل للشامتين بنا : أفيقوا وإن نغلب فغير مغلبينا منايانا ودولة آخرينا كلاكله أناخ بآخرينا كما أفنى القرون الأولينا ولو بقي الكرام إذاً بقينا سيلقى الشامتون كما لقينا »
    ثم قال : « أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس حتى يدور بكم دور الرحى ويقلق بكم قلق المحور عهدٌ عهده إلي أبي عن جدي ، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ، ثم اقضو إلي ولا تنظرون.
    إني توكلت على الله ربي وربكم ، ما من دابة إلا هو آخذٌ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم.
    اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنين يوسف ، وسلط عليهم غلام ثقيف يسومهم كأساً (55) مصبرةٌ ، فإنهم كذبونا وخذلونا ، وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير ».
(53) ر : وصل.
(54) فروة بن مسيك أو مسيكة بن الحارث بن سلمة الغطيفي المرادي ، أبو عمرو ، صحابي ، من الولاة ، له شعر ، وهو من اليمن ، كان موالياً لملوك كندة في الجاهلية ، رحل إلى مكة سنة تسع أو عشر وأسلم ، سكن الكوفة في أواخر أعوامه ، مات سنة 30 هـ.
    الطبقات 1/63 ، الإصابة ترجمة رقم 6983 ، رغبة الآمل 4/10 ، الأعلام 5/143.
(55) ر : كأس.


(158)
    ثم نزل عليه السلام ودعا بفرس رسول الله صلى الله عليه وآله المرتجز ، فركبه وعبى أصحابه للقتال.
    فروي عن الباقر عليه السلام : « أنهم كانوا خمسة وأربعين فارساً وماءة راجل ».
    وروي غير ذلك.
    قال الراوي (56) : فتقدم عمر بن سعد ورمى نحو عسكر الحسين عليه السلام بسهم وقال : اشهدوا لي عند الأمير : أني أول من رمى ، وأقبلت السهام من القوم كأنها القطر.
    فقال عليه السلام لأصحابه : « قوموا رحمكم الله إلى الموت ، إلى الموت الذي لابد منه ، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم (57) ».
    فاقتتلوا ساعة من النهار حملةً وحملةَ ، حتى قتل من أصحاب الحسين عليه السلام جماعة.
    قال (58) : فعندها ضرب الحسين عليه السلام يده (59) على لحيته وجعل يقول : « اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً ، واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم.
    أما والله لا اجيبنهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله تعالى وأنا مخضب بدمي ».
    وروي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال : « سمعت أبي يقول : لما التقى
(56) قال الراوي ، لم يرد في ر.
(57) إليكم ، لم يرد في ر. وفي حاشية رجاء لفظ : المةت خ ، بدلاً من لفظ القوم.
(58) قال ، لم يرد في ر.
(59) ر : بيده.


(159)
الحسين عليه السلام وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب على ساق ، أنزل الله النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه السلام ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء ربه (60) ، فاختار لقاء ربه (61) ».
    قال الراوي : ثم صاح الحسين عليه السلام : « أما من مغيثٍ يغيثنا لوجه الله ، أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله ».
    قال : فإذا الحر بن يزيد الرياحي قد أقبل على عمر بن سعد ، فقال له : أمقاتل أنت هذا الرجل ؟
    فقال : إي والله قتالاً أيسره أن تطير الرؤوس وتطيح الأيدي.
    قال : فمضى (62) الحر ووقف موقفاً من أصحابه وأخذه مثل الإفكل.
    فقال له المهاجر بن أوس (63) : والله إن أمرك لمريب ، ولو قيل : من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك ، فما هذا الذي أراه منك ؟
    فقال : إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ، فوالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطعت وأحرقت.
(60) ب : الله تعالى.
(61) ب : الله تعالى.
    وجاء بعد هذا في ع : رواها أبو طاهر محمد بن الحسين النرسي في كتاب معالم الدين. ولم ترد هذه العبارة في ر. ب.
(62) ر : فمر.
(63) لم يذكروه.
    وفي كتاب تسمية من قتل مع الامام الحسين : 155 ، ذكر من جملة شهداء الاصحاب المهاجر ابن أوس من بجيلة.
    ولا أعلم هل المهاجر بن اوس اثنان ؟ أم واحد كان في عسكر ابن سعد ثم التحق بمعسكر الامام الحسين واستشهد معه ؟


(160)
    ثم ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين عليه السلام ويده على رأسه وهو يقول : اللهم إني تبت إليك فتب علي ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك.
    وقال للحسين : جعلت فداك أنا صاحبك الذي حبسك عن الرجوع وجعجع بك ، والله ما ظننت أن القوم يبلغون بك ما أرى ، وأنا تائب إلى الله ، فهل ترى لي من توبة ؟
    فقال الحسين عليه السلام : « نعم يتوب الله عليك فانزل ».
    فقال : أنا لك فارساً خيرٌ مني راجلاً ، وإلى النزول يؤول آخر أمري.
    ثم قال : فإذا كنت أول من خرج عليك ، فأذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك ، لعلي أكون ممن يصافح جدك محمداً غداً في القيامة.
    قال جامع الكتاب : إنما أراد أول قتيل من الآن ، لأن جماعة قتلوا قبله كما ورد.
    فأذن له ، فجعل يقاتل أحسن قتال حتى قتل جماعة من شجعان وأبطال ، ثم استشهد ، فحمل إلى الحسين عليه السلام ، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : « أنت الحر كما سمتك أمك ، حر في الدنيا وحر الآخرة ».
    قال الراوي (64) : وخرج برير بن خضير (65) ، وكان زاهداً عابداً ، فخرج إليه يزيد بن معقل (66) واتفقا على المباهلة إلى الله : في أن يقتل المحق منهما المبطل ، فتلاقيا ، فقتله برير ، ولم يزل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.
(64) الراوي ، لم يرد في ر.
(65) ر : حضير.
(66) ع : يزيد بن المغفل.
    لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون.


(161)
    قال : وخرج وهب بن حباب الكلبي (67) ، فأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد ، وكان معه زوجته ووالدته ، فرجع إليهما وقال : يا أماه ، أرضيت أم لا ؟
    فقالت : لا ، ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين عليه السلام.
    وقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني في نفسك.
    فقالت له أمه : يا بني اعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة.
    فرجع ، ولم يزل يقاتل حتى قطعت يداه ، فأخذت امرأته عموداً ، فأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأقبل ليردها إلى النساء ، فأخذت بثوبه ، وقالت : لن أعود دون أن أموت معك.
    فقال الحسين عليه السلام : « جزيتم من أهل بيتٍ خيراً ، ارجعي إلى النساء يرحمك الله » ، فانصرفت إليهن.
    ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قتل ، رضوان الله عليه.
    ثم خرج مسلم بن عوسجة ، فبالغ في قتال الأعداء ، وصبر على أهوال البلاء ، حتى سقط إلى الأرض وبه رمق ، فمشى إليه الحسين عليه السلام ومعه حبيب بن مظاهر.
    فقال له الحسين عليه السلام : « رحمك الله يا مسلم ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلاً ».
    ودنا منه حبيب ، فقال : عز والله علي مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة.
(67) ع : جناح.
    في ضياء العينين : 25 : وهب بن عبدالله بن حباب الكلبي ، امه قمرى ، وذكر الكثير من أخباره في واقعة الطف ، أخذها من كتاب الملهوف وغيره من كتب المقاتل.


(162)
    فقال له بصوت ضعيف (68) : بشرك الله بخيرٍ.
    ثم قال له حبيب : لولا أنني أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك.
    فقال له مسلم : فإني أوصيك بهذا ـ وأشار بيده إلى الحسين عليه السلام ـ فقاتل دونه حتى تموت.
    فقال له حبيب : لأنعمنك عيناً.
    ثم مات رضوان الله عليه.
    فخرج عمرو بن قرظة الأنصاري (69) ، فاستأذن الحسين عليه السلام ، فأذن له ، فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء حتى قتل جمعاً كثيراً من حزب ابن زياد ، وجمع بين سداد وجهاد ، وكان لا يأتي إلى الحسين عليه السلام سهمٌ إلا اتقاه بيده ولا سيف إلا تلقاه بمهجته ، فلم يكن يصل إلى الحسين عليه السلام سوء ، حتى أثخن بالجراح.
    فالتفت إلى الحسين عليه السلام وقال : يابن رسول الله أوفيت ؟
    قال : « نعم ، أنت أمامي في الجنة ، فاقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله عني السلام وأعلمه أني في الأثر ».
(68) ع : فقال له مسلم قولاً ضعيفاً.
(69) ر. ع : عمرو بن قرطة ، والمثبت من ب.
    وهو عمرو بن قرظة الأنصاري ، ذكر في أكثر الموارد ، وفي الزيارة : عمر بن كعب الأنصاري ، وفي نسختها الأخرى : عمران ، أرسله الحسين مفاوضاً إلى عمر بن سعد.
    تاريخ الطبري 5/413 ، المناقب 4/105 ، البحار 45/71 و 22 ، مقتل الحسين 2/22 ، أنصار الحسين : 104 ، تسمية من قتل مع الحسين : 153.


(163)
    فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه (70).
    ثم برز جون مولى أبي ذر (71) ، وكان عبداً أسوداً.
    فقال له الحسين عليه السلام : « أنت في إذنٍ مني ، فإنما تبعتنا طلباً للعافية ، فلا تبتل بطريقنا (72) ».
    فقال : يا بن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ، والله إن ريحي لمنتن وإن حسبي للئيم ولوني لأسود ، فتنفس علي بالجنة (73) ، فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي ، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم. ثم قاتل حتى قتل ، رضوان الله عليه.
    قال الراوي (74) : ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي (75) ، فقال للحسين :
(70) في نسخة ب جاء بعد قوله رضوان الله عليه :
    وفي المناقب كان يقول :
قد علمت كتيبة الأنصار ضرب غلام غير نكس شاري أن سوف أحمي حوزة الذمار دون حسين مهجتي وداري
(71) ب : ثم تقدم جون مولى أبي ذر الغفاري.
    وجون من الموالي ، أسود اللون ، شيخ كبير السن ، هو ابن حوي ، وذكر في بعض المصادر اسمه : جوين أبي مالك.
    تسمية من قتل مع الحسين : 152 ، رجال الشيخ : 72 ، المناقب 4/103 ، المقتل 1/237 و 2/19 ، تاريخ الطبري 5/420 ، البحار 45/82 ، أنصار الحسين : 72.
(72) ر : بطريقتنا.
(73) ر : الجنة.
(74) الراوي ، لم يرد في ر.
(75) ر : عمر بن خالد الصيداوي.
    وعمرو بن خالد الصيداوي من صيدا ، ذكر في أكثر المصادر ، وفي الرجبية ، عمرو بن خلف ،


(164)
يا أبا عبدالله ، جعلت فداك قد هممت أن ألحق بأصحابي ، وكرهت أن أتخلف فأراك وحيداً فريداً بين أهلك قتيلاً.
    فقال له الحسين عليه السلام : « تقدم فإنا لا حقون بك عن ساعة ».
    فتقدم فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.
    قال الراوي (76) : وجاء حنظلة بن سعد الشبامي (77) ، فوقف بين يدي الحسين عليه السلام يقيه السهام والسيوف والرماح بوجهه ونحره.
    وأخذ ينادي : يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ، وما الله يريد ظلماً للعباد ، ويا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم التناد ، يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ، يا
ويحتمل أنه تصحيف خالد ، وبنو الصيدا بطن من أسد من العدنانية ، وذهب بعض العلماء إلى اتحاده مع عمرو بن خالد الأزدي ، ذاهباً إلى أن الأزدي مصحف عن الأسدي ، والمرجح التعدد ، وإن كان احتمال الإتحاد وارداً.
    تسمية من قتل مع الحسين : 155 ، تاريخ الطبري 5/446 ، المقتل 2/24 ، البحار 45/72 و 23 ، أنصار الحسين : 102.
(76) الراوي ، لم يرد في ر. ب.
(77) كذا في ب. وفي ر : حنظلة بن سعد الثامي. وفي ع : حنظلة بن أسعد الشامي.
    والشبامي : شبام بطن من همدان من القحطانية ، كوفي ، ذكر في أكثر المصادر مع اختلاف في ضبط اسمه ، واحتمل بعض العلماء اتحاده مع حنظلة بن أسعد الشبامي ، واستدل بأن ابن شهر آشوب لم يذكر حنظلة المتفق عليه وهو الشبامي ، والمرجح أن سعداً غيرحنظلة ، لأن غير ابن شهر آشوب ذكر سعداً وأنه تميمي من عرب الشمال ، وحنظلة وأنه شبامي من عرب الجنوب. واحتمل آخر اتحاده مع حنظلة ابن عمر الشيباني ، وهذا الاحتمال بعيد أيضاً.
    رجال الشيخ : 73 ، المقتل 2/24 ، تاريخ الطبري 5/443 ، تسمية من قتل مع الحسين : 156 ، قاموس الرجال 4/318 ، معجم رجال الحديث 6/306 ـ 307 ، انصار الحسين : 86 و89 ـ 90 و 116 ـ 117.


(165)
قوم لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذابٍ وقد خاب من افترى.
    ثم التفت إلى الحسين عليه السلام وقال : أفلا نروح إلى ربنا ونلحق بأصحابنا ؟
    فقال له : « بل (78) رح إلى ما هو خيرٌ لك من الدنيا وما فيها وإلى ملكٍ لا يبلى ».
    فتقدم ، فقاتل قتال الأبطال ، وصبر على احتمال الأهوال ، حتى قتل ، رضوان الله عليه.
    قال : وحضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين عليه السلام زهير بن القين وسعيد بن عبدالله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف معه ، ثم صلى بهم صلاة الخوف.
    فوصل إلى الحسين عليه السلام سهمٌ ، فتقدم سعيد بن عبدالله الحنفي ، ووقف يقيه بنفسه ما زال ، ولا تخطى حتى سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عادٍ وثمود ، اللهم أبلغ نبيك عني السلام ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ، ثم قضى نحبه رضوان الله عليه ، فوجد به ثلاثة عشر سهمأً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح.
    قال الراوي (79) : وتقدم سويد بن عمر بن أبي المطاع (80) ، وكان شريفاً كثير الصلاة ، فقاتل قتال الأسد الباسل ، وبالغ في الصبر على الخطب النازل ، حتى
(78) ع : ونلحق بإخواننا بلى.
(79) الراوي ، لم يرد في ر.
(80) هو سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي ، ذكر في عدة مصادر ، كان شريفاً كثير الصلاة ، وهو أحد آخر رجلين بقيا مع الحسين وقتل بعد مقتل الحسين عليه السلام ، فكان آخر قتيل ، قتله هاني بن ثبيت الحضرمي ، والخثعمي : خثعم بن أنمار بن أراش ، من القحطانية.
    رجال الشيخ : 74 ، المناقب 4/102 وفيه : عمرو بن أبي المطاع الجعفي ، البحار 45/24 ، تسمية من قتل مع الحسين : 154 وفيه : سويد بن عمرو بن المطاع ، أنصار الحسين : 91 ـ 92.
الملهوف ::: فهرس