الملهوف ::: 211 ـ 225
(211)
ألا ترون ما نزل بنا ، ثم أنشأ يقول :
جاؤوا برأسك يا بن بنت محمد وكأنما بك يا بن بنت محمد قتلوك عطشاناً ولما يرقبوا ويكبرون بأن قتلت وإنما متزملاً بدمائه تزميلا (116) قتلوا جهاراً عامدين رسولا في قتلك التنزيل والتأويلا قتلو بك التكبير والتهليلا
    قال الراوي (118) : جاء شيخ ، فدنا من نساء الحسين عليه السلام وعياله ـ وهم في ذلك الموضع ـ وقال (119) : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وأراح البلاد من رجالكم وأمكن أمير المؤمنين منكم !!!
    فقال له علي بن الحسين عليهما السلام : « يا شيخ ، هل قرأت القرآن ؟ ».
    قال نعم.
    قال : « فهل عرفت هذه الآية : ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلى المودة في القربى ) (120) ؟ »
    قال الشيخ : قد قرأت ذلك.
    فقال له علي عليه السلام : « نحن (121) القربى يا شيخ ، فهل قرأت في بني إسرائيل :
(116) ع : مترملاً بدمائه ترميلاً.
(117) ب :
جاؤوا برأسك يا بن بنت محمد قتلوك عطشاناً ولما يرقبوا ويكبرون بان قتلت وإنما قتلوا جهاراً عامدين رسولا في قتلك التأويل والتنزيلا قتلوا بك التكبير والتهليلا
(118) الراوي ، من ع.
(119) ب : وعياله أقيموا على درج باب المسجد ، فقال ...
(120) الشورى 42 / 23.
(121) ب. ع : فنحن.


(212)
( وآت ذا القربى حقه ) ؟ (122) ».
    فقال الشيخ : قد قرأت ذلك.
    فقال : « فنحن القربى يا شيخ ، فهل قرأت هذه الآية : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) ؟ (123) ».
    قال : نعم.
    فقال عليه السلام : « فنحن القربى (124) يا شيخ ، وهل (125) قرأت هذه الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنك الرجس أهل البيت ويطهرك تطهيرا ) ؟ (126) ».
    قال الشيخ : قد قرأت ذلك.
    فقال عليه السلام : « نحن أهل البيت الذين خصنا الله بآية الطهارة يا شيخ ».
    قال الراوي (127) : بقي الشيخ ساكتاً نادماً على ما تكلم به ، وقال تالله (128) إنكم هم ؟!
    فقال علي بن الحسين عليهما السلام : « تالله (129) إنا لنحن هم من غير شك ، وحق جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله إنا لنحن هم ».
    قال : فبكى الشيخ ورمى عمامته ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إني
(122) الأسراء 17 / 26.
(123) الأنفال 8 / 41.
(124) ر : نحن أهل القربى.
(125) ر : ولكن هل. والمثبت من ب.
(126) الأحزاب 33 / 33.
(127) الراوي ، من ع.
(128) ب. ع : بالله.
(129) ر : وبالله.


(213)
أبرء إليك من عدو آل محمد صلى الله عليه وآله من الجن والإنس.
    ثم قال : هل لي من توبة ؟
    فقال له : « نعم ، إن تبت تاب الله عليك وأنت معنا ».
    فقال : أنا تائب.
    فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ ، فأمر به فقتل.
    قال الراوي (130) : ثم أدخل ثقل الحسين عليه السلام ونساؤه ومن تخلف من أهله على يزيد ، وهم مقرنون (131) في الحبال.
    فلما وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال قال له علي بن الحسين عليهما السلام : « أنشدك الله يا يزيد ، ما ظنك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو رآنا على هذه الصفة (132) » ، فأمر يزيد بالحبال فقطعت.
    ثم وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه ، وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه ، فرآه علي بن الحسين عليه السلام فلم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبداً.
    وأما زينب ، فإنها لما رأته أهوت إلى جيبها فشقته ، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب : يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله ، يا بن مكة ومنى ، يا بن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، يا بن بنت المصطفى.
    قال الراوي (133) : فأبكت والله كل من كان حاضراً في المجلس ، ويزيد ساكت.
    ثم جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين عليه السلام وتنادي :
(130) قال الراوي ، لم يرد في ر.
(131) ر : مقرنين ، بدلاً من : وهم مقرنون.
(132) ب : الحالة.
(133) الراوي ، من ع.


(214)
يا حسيناه ، يا حبيباه ، يا سيداه ، يا سيد أهل بيتاه ، يا بن محمداه ، يا ربيع الأرامل واليتامى ، يا قتيل أولاد الأدعياء.
    قال الراوي (134) : فأبكت كل من سمعها.
    قال : ثم دعا يزيد بقضيب خيزران ، فجعل ينكث به ثنايا الحسين عليه السلام.
    فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي (135) وقال : ويحك يا يزيد ، أتنكت بقضيبك ثغر الحسين عليه السلام ابن فاطمة ؟! أشهد لقد رأيت النبي صلى الله عليه وآله يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول : أنتما سيدا شباب أهل الجنة ، قتل الله قاتليكما ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيراً.
    قال الراوي (136) : فغضب يزيد وأمر بإخراجه ، فأخرج سحباً.
    قال : وجعل يزيد لعنه الله ليتمثل بأبيات ابن الزبعري (137) ويقول :
ليت أشياخي ببدر شهدوا فأهلوا (139) واستهلوا فرحاً قـد قتلنا القرم من ساداتهم جزع (138) الخزرج من وقع الأسل ثم قالوا : يا يزيد لا تشل وعدلناه ببدر فاعتدل

(134) الراوي ، من ع.
(135) فضلة بن عبيد بن الحارث الأسلمي ، غلبت عليه كنيته ، اختلف في اسمه ، صحابي ، من سكان المدينة ثم البصرة ، شهد مع علي عليه السلام النهروان ، مات بخراسان سنة 65 هـ.
    تهذيب التهذيب : 10 / 446 ، الإصابة ترجمة رقم 8718 ، الأعلام 8 / 33.
(136) الراوي ، من ع.
(137) عبد الله بن الزبعري بن قيس السهمي القرشي ، أبوسعد ، شاعر قريش في الجاهلية ، كان شديداً علىالمسلمين ، إلى أن فتحت مكة فهرب إلى نجران ، مات سنة 15 هـ.
    الأعلام 4 / 87 ، وراجع من ذكره من مصادر ترجمته.
(138) ر : وقعة. والمثبت من ع.
(139) ع : لأهلوا.


(215)
لعبت هاشم بالملك فلا لست من خندف إن لم أنتقم خبر جاء ولا وحي نزل من بني أحمد ما كان فعل (140)
    قال الراوي (141) : فقامت زينب ابنت علي عليه السلام وقالت (142) :
    الحمد لله رب العاليمن ، وصلى الله على محمد (143) وآله أجمعين ، صدق الله كذلك يقول : ( ثم كان عاقبة الذين أساؤا السؤى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون ) (144) ، أظننت يا يزيد ـ حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الإماء (145) ـ أن بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة !! وأن ذلك لعظيم خطرك عنده !! فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك (146) ، جذلاً (147) مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأمور متسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، فمهلاً مهلاً ، أنسيت قول الله عزوجل : ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين ) (148).
    أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك إماءك ونساءك وسوقك (149) بنات رسول
(140) البيتين الأخيرين لم يردا في ر ، ووردا في ع.
(141) الراوي ، من ع.
(142) ب. ع : بنت علي بن أبي طالب عليه السلام. فقالت.
(143) ب. ع : رسوله.
(144) الروم 30 / 10.
(145) ب : الأسارى. ع : الأسراء. والمثبت من ر.
(146) ر : ونظرت إلى فيء عطفك.
(147) ب. ع : جذلان.
(148) آل عمران 3 / 178.
(149) ب. ع : تحديرك حرائرك وإماءك وسوقك.


(216)
الله سبايا ؟‍‍‍‍‍‍‍‍! ، قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهن (150) أهل المنازل والمناهل (151) ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد ، والدني والشريف ، ليس معهن من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي.
    وكيف ترتجى مراقبة من (152) لفظ فوه أكباد الأزكياء ، ونبت لحمه بدماء الشهداء ؟!
    وكيف يستظل في ظلمنا (153) أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان ؟!
    ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم :
فأهلوا (154) واستهلوا فرحاً ثم قالوا : يا يزيد لا تشل
    منتحياً (155) على ثنايا أبي عبد الله عليه السلام سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك.
    وكيف لا تقول ذلك ، وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ؟! وتهتف بأشياخك ، زعمت أنك تناديهم !
    فلتردن وشيكاً موردهم ، ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت
(150) ر : ويتشرفهن.
(151) ب. ر : المناهل والمناقل.
(152) ر : وكيف ترجو مراقبة ابن من.
(153) ب : وكيف يستبطأ في بغضنا. ع : وكيف ويستبطأ في بغضاء.
(154) ب : وأهلوا.ع : لا هلوا.
(155) ر : متخنيا.


(217)
وفعلت ما فعلت.
    اللهم خذ بحقنا ، وانتقم ممن ظلمنا ، واحلل غضبك بمن (156) سفك دماءنا وقتل حماتنا.
    فوالله ما فريت إلا جلدك ، ولاحززت (157) إلا لحمك ، ولتردن على رسول الله صلىالله عليه وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، وحيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ، ويأخذ بحقهم ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ).
    وحسبك بالله حاكماً ، وبمحمد صلى الله عليه وآله خصيماً ، وبجبرئيل ظهيراً ، وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين ، بئس للظالمين بدلاً وأيكم شر مكاناً وأضعف جنداً.
    ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك ، أني لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، واستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حرى.
    ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباءبحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنضح (158) من دمائنا ، والأفواه تتحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تتناهبها (159) العواسل وتعفوها أمهات الفراعل ، ولئن أتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً ، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك ، وما ربك بظلام للعبيد ، فإلى الله المشتكى ، وعليه المعول.
(156) ر : واحلل غضبنا على من.
(157) ب : ولا جززت.
(158) ب. ع : تنطف.
(159) ب. ع : تنتابها.


(218)
    فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب (160) جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا ترحض عنك عارها.
    وهل رأيك إلا فندا ، وأيامك إلا عددا ، وجمعك إلا بددا ، يوم ينادي المناد : ألا لعنة الله على الظالمين.

    فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة.
    ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة ، إنه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
    فقال يزيد لعنه الله :
يا صيحة تحمد من صوائح ما أهون الموت على النوائح
    قال الراوي : ثم استشار أهل الشام فيما يصنع بهم.
    فقالوا : لا تتخذ من كلب سوء جروا.
    فقال له النعمان بن بشير : أنظر ما كان الرسول يصنع بهم فاصنعه بهم.
    ونظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة ابنت الحسين عليه السلام ، فقال : يا أميرالمؤمنين هب لي هذه الجارية.
    فقالت فاطمة لعمتها : يا عمتاه أيتمت وأستخدم ؟ (161)
    فقالت زينب : لا ، ولا كرامة لهذا الفاسق.
    فقال الشامي : من هذه الجارية ؟
    فقال له يزيد لعنه الله : هذه فاطمة ابنت الحسين ، وتلك عمتها زينب ابنت علي.
    فقال الشامي : الحسين بن فاطمة وعلي بن أبي طالب !!
(160) ر : واجهد.
(161) ر : واستخدمت. والمثبت من ع.


(219)
    قال : نعم.
    فقال الشامي : لعنك الله يا يزيد ، تقتل عترة نبيك وتسبي ذريته ، والله ما توهمت إلا أنهم سبي الروم (162).
    فقال يزيد : والله لألحقنك بهم ، ثم أمر به فضرب عنقه.
    قال الراوي (163) : ودعا يزيد لعنه الله بالخاطب ، وأمره أن يصعد المنبر فيذم الحسين وأباه صلوات الله عليهما ، فصعد ، وبالغ في ذم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسين الشهيد ، والمدح لمعاوية ويزيد.
    فصاح به علي بن الحسين عليه السلام : « ويلك أيها الخاطب ، اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فتبوأ مقعدك من النار ».
    ولقد أحسن ابن سنان الخفاجي (164) في وصف أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وأولاده ، حيث يقول :
أعلى المنابر تعلنون بسبه وبسيفه نصبت لكم أعوادها
    قال الراوي (165) : ووعد يزيد لعنه الله علي بن الحسين عليهما السلام في ذلك اليوم أنه يقضي له ثلاث حاجات.
    ثم أمر بهم إلى منزل لا يكنهم من حر ولا بردٍ ، فأقاموا فيه حتى تقشرت وجوههم ، وكانوا مدة مقامهم في البلد المشار اليه ينحون على الحسين عليه السلام.
(162) ر : سبي ترك الروم.
(163) الراوي ، من ع.
(164) عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان ، أبو محمد الخفاجي الحلبي ، شاعر ، أخذ الأدب عن أبي العلاء وغيره ، مات بالسم سنة 466 هـ.
    الأعلام 4 / 122 ، وذكر من مصادر ترجمته : فوات الوفيات 1 / 233 ، النجوم الزاهرة 5 / 96.
(165) الراوي ، من ع.


(220)
    قالت سكينة : فلما كان في اليوم الرابع من مقامنا رأيت في المنام ، وذكرت مناماً طويلاً تقول في آخره : ورأيت امرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها ، فسألت عنها ، فقيل لي : فاطمة ابنت محمد أم أبيك.
    فقلت : والله لأنطلقن إليها ولأخبرنها ما صنع بنا ، فسعيت مبادرة نحوها ، حتى لحقت بها ووقفت بين يديها أبكي وأقول :
    يا أمتاه جحدوا والله حقنا ، يا أمتاه بددوا والله شملنا ، يا أمتاه استباحوا والله حريمنا ، يا أمتاه قتلوا والله الحسين أبانا.
    فقالت لي : كفي صوتك يا سكينة ، فقد قطعت نياط قلبي ، وأقرحت كبدي ، هذا قميص أبيك الحسين لا يفارقني حتى ألقى الله به.
    وروى ابن لهيعة ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن (166) قال : لقيني رأس الجالوت (167) فقال : والله ، إن بيني وبين داود عليه السلام سبعين (168) أباً ، وإن اليهود تلقاني فتعظمني ، وأنتم ليس بينكم وبين نبيكم إلا أب واحد قتلتم ولده (169).
    وروي عن زين العابدين عليه السلام أنه قال : « لما أتوا برأس الحسين عليه السلام إلى يزيد لعنه الله ، كان يتخذ مجالس الشرب ، ويأتي برأس الحسين عليه السلام ويضعه بين يديه
(166) أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود بن نوفل القرشي الأسدي ، نزل مصر وحدث بها كتاب المغازي لعروة بن الزبير ، روى عن علي بن الحسين والنعمان بن أبي عياش وطائفة ، وروى عنه حبوة بن شريح ومالك بن أنس وآخرون ، مات سنة بضع وثلاثين ومائة.
    سيرة أعلام النبلاء 6 / 150 ترجمة رقم 62.
(167) لم يذكروه.
(168) ب. ع : السبعين.
(169) ب : وأنتم ليس بينكم وبين ابن نبيكم إلا أب واحد قتلتموه. ع : وأنتم ليس بين ابن نبيكم وبينه إلا أب واحد قتلتم ولده.


(221)
ويشرب عليه.
    فحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الرم ، وكان من أشراف الروم وعظمائهم ، فقال : يا ملك العرب ، هذا رأس من ؟
    فقال له يزيد : مالك ولهذا الرأس ؟
    فقال : إني إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كل شيء رأيته ، فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه ، حتى يشاركك في الفرح والسرور.
    فقال له يزيد لعنه الله : هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب.
    فقال الرومي : ومن أمه ؟
    فقال : فاطمة ابنت رسول الله.
    فقال النصراني : أف لك ولدينك ، لي دين أحسن من دينك ، إن أبي من حوافد داود عليه السلام ، وبيني وبينه آباء كثيرة ، والنصارى يعظمونني ويأخذون من تراب أقدامي تبركاً بي بأني من حوافد داود عليه السلام ، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم ، وليس بينه وبين نبيكم إلاأم واحدة ، فأي دين دينكم ؟!!
    ثم قال ليزيد : هل سمعت حديث كنيسة الحافر ؟
    فقال له : قل حتى أسمع.
    فقال : إن بين عمان (170) والصين (171) بحر مسيره ستة أشهر (172) ليس فيها
(170) بضم أوله وتخفيف ثانيه وآخره نون ، اسم كورة عربية على ساحل بحر اليمن والهند ... وأكثر أهلها خوارج أباضية ... وأهل البحرين بالقرب منهم بضدهم.
    وعمان : بالفتح ثم التشديد : بلد في طرف الشام ، وكانت قصبة أرض البلقاء ...
    معجم البلدان 4 / 150 ـ 151.
(171) الصين بالكسر وآخره نون : بلاد في بحر المشرق ، مايله إلى الجنوب ، وشماليها الترك.
    معجم البلدان 3 / 444.
(172) ب. ع : مسيرة سنة.


(222)
عمران إلا بلدة واحدة في وسط الماء ، طولها ثمانون فرسخاً في ثمانين فرسخاً ، ما على وجه الأرض بلدة أكبر منها ، ومنها يحمل الكافور والياقوت ، أشجارهم العود والعنبر ، وهي في أيدي النصارى ، لا ملك لأحد من الملوك فيها سواهم ، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة ، أعظمها كنيسة تسمى كنيسة الحافر ، في محرابها حقة ذهب معلقة ، فيها حافر يقولون : إنه حافر حمار كان يركبه عيسى (173) ، وقد زينوا حول الحقة بالذهب والديباج ، يقصدها في كل عام عالم من النصارى ، ويطوفون حولها ويقبلونها ويرفعون حوائجهم إلى الله تعالى عندها (174) ، هذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار يزعمون أنه حافر حمار كان يركبه عيسى نبيهم ، وأنتم تقتلون ابن ابنت نبيكم ، فلا بارك الله فيكم ولا في دينكم.
    فقال يزيد : اقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحني في بلاده.
    فلما احس اليصراني بذلك ، قال له : أتريد أن تقتلني ؟
    قال : نعم.
    قال : إعلم أني رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول : يا نصراني أنت من أهل الجنة ، فتعجبت من كلامه ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
    ثم وثب إلى رأس الحسين عليه السلام ، وضمه إلى صدره وجعل يقبله ويبكي حتى قتل ».
    قال : وخرج زين العابدين عليه السلام يوماً يمشي في أسواق دمشق ، فاستقبله المنهال بن عمرو (175) ، فقال : كيف أمسيت يا بن رسول الله ؟
(173) ر : نبيهم عيسى.
(174) عندها ، من ع.
(175) في ر : المنهال بن عمر.
    وهو : المنهال بن عمرو الأسدي ، عده الشيخ بهذا العنوان تارة في أصحاب الحسين عليه السلام ،


(223)
    قال : « أمسينا كمثل بني اسرائيل في آل فرعون ، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم.
    يا منهال أمست العرب تفتخر على العجم بأن محمداً عربي ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمداً منها ، وأمسينا معشر أهل بيته ونحن مغصبون مقتلون مشردون ، فإنا لله وانا إليه راجعون مما أمسينا فيه يا منهال ».
    ولله در مهيار (176) حيث يقول :
يعظمون له أعواد منبره بأي حكم بنوه يتبعونكم وتحت أقدامهم أولاده وضعوا وفخركم أنكم صحب له تبع
    ودعا يزيد يوماً بعلي بن الحسين عليهما السلام وعمرو بن الحسن (177) ، وكان عمرو صغيراً يقال : إن عمره إحدى عشرة سنة.
وأخرى في أصحاب علي بن الحسين عليه السلام ، وعده بزيادة كلمة مولاهم في أصحاب الباقر عليه السلام ، وعده في أصحاب الصادق عليه السلام أيضاً قائلاً : المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم كوفي ، روى عن علي ابن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهم السلام.
    وعده البرقي في أصحاب علي ابن الحسين عليه السلام.
    روى عن الاصبغ ، وروى عنه علي بن عباس ...
    معجم رجال الحديث 19 / 8.
(176) مهايار بن مرزويه ، أبو الحسن أو أبو الحسين ، الديلمي ، شاعر كبير ، في معانيه ابتكار وفي اسلوبه قوة ، فارسي الأصل ، من أهل بغداد ، أسلم على يد الشريف الرضي ، وهو شيخه وعليه تخرج في الشعر والأدب ، توفي في بغداد سنة 428 هـ.
    الأعلام 7 / 317 ، وذكر من مصادر ترجمته : تاريخ بغداد 13 / 276 ، المنتظم 8 / 94 ، البداية والنهاية 12 / 41 ، وغيرها.
(177) ع : الحسين.
    ومرت ترجمته في هامش رقم (11) من هذا الفصل.


(224)
    فقال له : أتصارع هذا ، يعني ابنه خالداً (178) ؟
    فقال له عمرو : لا ، ولكن أعطني سكيناً وأعطه سكيناً ، ثم أقاتله.
    فقال يزيد لعنه الله :
شنشنة أعرفها من أخزم هل تلد الحية إلا الحية
    وقال لعلي بن الحسين عليه السلام : أذكر حاجتك الثلاث التي وعدتك بقضائهن ؟
    فقال له :
    « الأولى : أن تريني وجه سيدي ومولاي الحسين فأتزود منه وأنظر إليه وأودعه.
    والثانية : أن ترد علينا ما أخذ منا.
    والثالثة : إن كنت عزمت على قتلي أن توجه مع هؤلاء النسوة من يردهن إلى حرم جدهن صلى الله عليه وآله ».
    فقال : أما وجه أبيك فلن تراه أبداً ، وأما قتلك فقد عفوت عنك ، وأما النساء فلا يردهن إلى المدينة غيرك ، وأما ما أخذ منكم فإني أعوضكم عنه أضعاف قيمته.
    فقال عليه السلام : « أما مالك فلا نريده ، وهو موفر عليك ، وإنما طلبت ما أخذ منا ، لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد ومقنعتها وقلادتها وقميصها ».
    فأمر برد ذلك ، وزاد عليه مأتي دينار ، فأخذها زين العابدين عليه السلام وفرقها على الفقراء والمساكين.
(178) خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، أبو هاشم القرشي الأموي ، روى عن أبيه وعن دحية ولم يلقه ، قيل : توفي سنة 84 هـ أو 85 هـ ، وقيل سنة 90 هـ.
    سير أعلام النبلاء 4 / 382.


(225)
    ثم أمر برد الاسارى وسبايا البتول (179) إلى أوطانهم بمدينة الرسول.
    وأما رأس الحسين عليه السلام ، فروى أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف صلوات الله عليه ، وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه.
    ورويت آثار كثيرة مختلفة غير ما ذكرناه تركناها لئلا نفسخ (180) ما شرطناه من اختصار الكتاب.
    قال الراوي (181) : ولما رجع نساء الحسين عليه السلام وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق ، قالوا للدليل : مر بنا على طريق كربلاء.
    فوصلوا إلى موضع المصرع ، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري (182) رحمه الله وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل الرسول صلى الله عليه وآله قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد ، واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أياماً.
    فروي عن أبي جناب الكلبي (183) قال : حدثني الجصاصون قالوا : كنا نخرج
(179) ع : وسبايا الحسين عليه السلام.
(180) ب. ع : تركنا وضعها كيلا ينفسخ.
(181) الراوي ، من ع.
(182) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام الخزرجي الأنصاري السملي ، المتوفى سنة 78 هـ ، صحابي ، روى عن النبي ( ص ) الكثير ، وروى عنه جماعة من الصحابة ، غزا تسع عشرة غزوة ، كانت له في أواخر أيامه حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم.
    رجال الشيخ : 72 ، الأعلام 1 / 213 ، الإصابة 1 / 213 ، تهذيب الأسماء 1 / 142.
(183) في النسخ المتعمدة : أبي حباب الكلبي ، والمثبت هو الصحيح.
    وهو يحيى بن أبي حية الكلبي الكوفي ، حدث عن أبيه والشعبي وأبي إسحاق السبيعي وغيرهم ،
الملهوف ::: فهرس