الى

إطلالةٌ على ذكرى مؤلمة: شهادةُ الإمام الحادي عشر للأمّة الحسن العسكريّ (عليه السلام)

مضى الإمامُ العسكريّ(عليه السلام) إلى رَبِّهِ مسموماً شهيداً، في الثامن من ربيع الأوّل عام (260هـ)، وعمرُه الشريف ثمانٌ وعشرون سنة، فكان هذا اليوم كئيباً في مدينة سامرّاء، حيث انتشر نبأُ استشهاده في عنفوان شبابه فعطّلت الأسواق وهرع الناس إلى دار الإمام يبكون، وشبَّه المؤرّخون ذلك اليوم الحزين بيوم القيامة، لماذا؟ لأنّ الجماهير المحرومة التي كانت تكتم حبّها واحترامها للإمام العظيم خشيةَ بطش النظام قد أطلقت اليوم العنان لمشاعرها وعواطفها الجيّاشة.
تحمّل الإمام الحسن العسكريّ(عليه السلام) مسؤوليّة الإمامة بعد شهادة والده الإمام عليّ الهادي(عليه السلام) عام (253هـ)، ولم تنسَ السلطةُ العبّاسية الإمام الحسن العسكريّ(عليه السلام)، فأحاطته بالرّقابة الدقيقة والمستمرّة، وأحصت عليه جميع تحرّكاته، لتشلّ نشاطاته وتحول بينه وبين ممارسة دوره القياديّ في أوساط الأمّة وهدايتها ورعايتها، لذلك فقد لجأ الإمام الى العمل بالكتمان بعيداً عن أعين العبّاسيّين وبناء جهازٍ من الأتباع والوكلاء أحكم تنظيمه، وتُفصح الوثائق التاريخيّة المتوفّرة بين أيدينا عن ذلك الأسلوب الدقيق بوضوحٍ كامل.
لقد خاض الإمامُ الحسن العسكريّ(عليه السلام) كآبائه الكرام (عليهم السلام) ملحمة الكفاح السياسيّ لمواجهة الظلم والإرهاب، ولحفظ المبادئ والقيم والرسالة الإسلاميّة المقدّسة كمهمّة أساسيّة من مهامّ القيادة والإمامة التي شاء الله سبحانه وتعالى أن يتحمّلوها. وقد كلّفتهم هذه المهمّة الصعبة ثمناً باهظاً ومعاناةً طويلة، فتحمّلوا السجون والملاحقة والقتل والتهم والتضييق عليهم.
عاصر الإمام في البداية المعتزّ والمهتدي والمعتمد من خلفاء بني العبّاس، وقد لاقى الإمام العنت والتضييق والإرهاب والملاحقة من الخلفاء الثلاثة، كما تعرّض للاعتقال عدّة مرّات من قبلهم، وكان آخر الذين عاصرهم الإمام (سلام الله عليه) هو المعتمد، وكان خليعاً ميّالاً للّهو واللذّات منصرفاً الى العزف والغناء واقتراف المحرّمات ممّا أوجب كراهيّة الناس له. فلاقى الإمام (عليه السلام) على يدي المعتمد صنوفاً مرهقة من الخطوب والتنكيل كما أحاطه بقوى مكثّفة من الأمن تحصي عليه أنفاسه وتطارد كلّ من يريد الاتّصال به، وكان ما يدفع العبّاسيّين الى فعل لك حسدهم لمكانة الإمام العسكريّ(عليه السلام) في الأمّة وخوفهم من ولده الإمام المهديّ المنتظر(عليه السلام)، والذي كان معلوماً لديهم أنّه من ولد الإمام العسكريّ(عليه السلام).
ونتيجة لذلك دسَّ المعتمدُ له سُمَّاً قاتلا تسمّم على أثره بدن الإمام (عليه السلام) ولازم الفراش عدّة أيّام يعاني آلاماً مريرة وهو صابرٌ محتسب، حتّى استُشهِد وعمرُه ثمانيةٌ وعشرون عاماً، وكان ذلك في سنة (260هـ).
دُفن مع أبيه الإمام الهادي(عليه السلام) في داره بـ(سرّ من رأى) حيث مشهدُهما كعبةٌ للوافدين وملاذٌ لمحبّي أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً، يتبرّكون به ويتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى بحرمة من دُفِن في ثراه أن يُدخلهم في رحمته ويجعلهم على الحقّ والهدى.
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: