إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإمام الحسين دمعة وشمعة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإمام الحسين دمعة وشمعة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته







    لا شك أن يوم كربلاء يمثل مأساة دامية كبرى تقشعر لها الأبدان،ويعجز عن وصفها البيان، فهذه المأساة العظيمة الخالدة في الضمير الإنساني،قد أقرحت جفوناً،وأسبلت دموعاً،وأبكت عيوناً،و أفجعت قلوباً...ليس للمؤمنين والمسلمين فقط،بل لجميع الأباة والأحرار من بني آدم وحواء،بغض النظر عن مناطقهم الجغرافية،وعقائدهم الدينية،ومكانتهم الاجتماعية،ومناصبهم الوظيفية،ومستوياتهم العلمية،وتوجهاتهم الفكرية.....فكل إنسان توجد في قلبه ذرة من الرحمة، ويحمل بين جنبيه شيئاً - ولو قليلاً - من العواطف والمشاعر والأحاسيس الإنسانية،لا يملك إلا أن يتوّجع للحسين،ويبكي مصابه الذي فاق كل مصاب،ويبرأ من أولئك الوحوش الذين انسلخوا من إنسانيتهم،وتنكّروا لكل القيم الكريمة،والمبادئ الفاضلة،وباعوا ضمائرهم للشيطان،وعرّضوا أنفسهم لغضب الله ولعناته الأبدية،بارتكابهم أبشع الجرائم الوحشية وأشنعها،وأشدها فظاعة في تاريخ البشر.



    ففي يوم عاشوراء الحزين أباد هؤلاء العسلان المتوحشون عترة الهادي الأمين صلى الله عليه وآله،وسفكوا دماءهم الزكية على أرض كربلاء المقدسة،فقد قتلوا الإمام الحسين بن علي وأهل بيته الطاهرين،وخُلّص أصحابه الميامين،وفرّقوا بين رؤوسهم وأبدانهم،وتركوهم مجزّرين على البوغاء،تسفي عليهم الريح،وتصهرهم حرارة الشمس...بعد أن رفعوا رؤوسهم الكريمة على أسنة الرماح العالية،ورضوا أجسادهم الشريفة بخيول الأعوجية.

    ولم تكتفِ الجيوش الأموية الحاقدة الآثمة بكل هذه الجرائم النكراء،التي أكسبتها العار، والمسبة على لسان الأحرار،بل زادت على ذلك خسة ودناءة،وبلغت القمة من الحقارة والانحطاط،وذلك حين حاول قائدهم الخبيث الدنيء أن يحرق أطفال النبوة،وحريم الرسالة بالنار،وهو ينادي - بكل قسوة ووقاحة وصلافة - : عليّ بالنار لأحرق بيوت الظالمين.

    وهكذا أشعلوا النار في المخيم الحسيني،وتركوا ألسنتها الملتهبة تتصاعد إلى عنان السماء، ودخانها الأسود يغطي فضاء كربلاء،غير متحرجين من ذنبهم،ولا متورعين عن منكر فعلهم، وهم يرون نساء النبوة الثاكلات،وأطفال الرسالة الأبرياء، يكادون يموتون خوفاً ورعبا من تلك النار الملتهبة التي كادت تلتهمهم وتقضي عليهم،لولا أنهم فروا على وجوههم في وادي كربلاء هاربين،وسياط الأعداء الغاشمين تتلوى على رؤوسهم ومتونهم بكل قوة.

    وأيضاً لم يكتفِ أولئك الأشقياء بكل ذلك رغم فظاعته،بل إنهم أقدموا على نهب رحل الحسين ،وسبي نساءه،وضرب أطفاله،وترويع أيتامه.. فقد أخذوا النساء الهاشميات المفجوعات، والأطفال العلويين المرعوبين،سبايا على أقتاب المطايا (وقد هتكوا ستور النساء،وأبدوا وجوههن، وهم يحدون بهن من بلد إلى بلد،يستشرفهن أهل المناهل والمعاقل،ويتصفح وجوههن القريب والبعيد،ليس معهن من حماتهن حمي،ولا من رجالهن ولي ... )

    ولا تسلني عن الإمام السجاد وما جرى عليه من المآسي والمحن،فقد كان - بأبي هو وأمي ونفسي - طريح فراش العلّة والمرض،قد أنهكته الأسقام،وما جرى لأهله وعشيرته ضاعف عليه الآلام،فلم يعد عليه السلام يقوى على النهوض، وليست لديه القدرة على الحركة... ومع ذلك لم يرقّوا له ولم يرحموه،بل :



    قلبوه عن نطع مسجى فوقه

    فبـكت له أمـلاك سبـع شداد



    ووضعوا الجامعة على صدره وظهره،والأغلال في عنقه ويديه ورجليه،وهو صلوات الله وسلامه عليه ينظر إلى عشيرته وسراة قومه على الأرض مضرّجين بدمائهم :



    ويصيـح وا ذلاه أين عشيـرتـي

    وسراة قومي أين أهل ودادي



    منهم خلت تلك الديار وبعدهم

    نعــب الغــراب بفرقــة وبعــاد



    ويزيد الحزن ويضاعف الأسى،ما قاساه آل الله وآل رسوله - بعد قتل عميدهم المفدى - من الذل والهوان وشماتة الأعداء في الكوفة والشام،مما جعل الإمام زين العابدين عليه السلام يفضّل الموت على الحياة،ويتمنّى أن أمه لم تكن قد ولدته،ولم يكن قد شاهد ما شاهد من المحن والمصائب التي صُبّت على آله الطاهرين،وأهل بيته الأكرمين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.



    هذا هو مختصر حديث فاجعة كربلاء،ومأساة اليوم العاشر من المحرم،ذلك اليوم العظيم الذي سبب الألم للهاشميين، وأدخل الأسى إلى قلوبهم،وأسلمهم إلى الحزن الطويل....حتى قال ثامن الأئمة،الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام : (إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه الظلم والقتال،فاستحلت فيه دماؤنا،وهتكت فيه حرمتنا،وسبيت فيه ذرارينا ونساؤنا،وأضرمت النار في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا،ولم ترعَ لرسول الله حرمة في أمرنا .

    إن يوم الحسين أقرح جفوننا،وأسبل دموعنا،وأذل عزيزنا،فعلى مثل الحسين فليبك الباكون،فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام.

    ثم حدثنا عليه السلام عن حالة أبيه موسى بن جعفر،وما ينتابه من الحزن إذا دخل المحرم فقال سلام الله عليه : (كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يُرى فيه ضاحكاً،وكانت الكآبة تغلب عليه،فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه)



    أهمية الارتباط العاطفي بالإمام الحسين :



    ومن الطبيعي أن يكون لمجزرة كربلاء الرهيبة أثرها العاطفي علينا،لتجعلنا - كما ارتبطنا بأبي عبد الله الحسين عقائدياً كإمام معصوم - نرتبط به عاطفياً كشهيد مظلوم،فنجدد له مجالس العزاء،ونؤكد على الجانب المأساوي الحزين في ثورته المظفرة،ونبكي لما جرى عليه من المصائب،وحلّ به من النكبات،بدل الدموع دما،ونحن نردد قول الشاعر :



    يا بن النبي المصطفى ووصيه

    وأخا الزكي ابن البتول الزاكية



    تبكيـك عينـي لا لأجـل مثوبـة

    لكـنـمـا عـيـنـي لأجلـك بـاكـيـة



    تبـتـل منـكـم كربـلاء بـدم ولا

    تبتـل منـي بـالدمـوع الجـاريـة



    أنسـت رزيتكـم رزايانـا التـي

    سلفـت وهونت الـرزايـا الآتيـة



    وفـجـائـع الأيـام تـبـقـى مـدة

    وتزول وهي إلى القيامة باقية



    وهذه الرابطة العاطفية الجياشة بشهيد التضحية والكرامة والفداء،من الأهمية بمكان،لأنها تدلل على صدق إنسانيتنا، وتعبّر عن تعاطفنا مع المظلومين،ووقوفنا إلى جانبهم،ومساندتنا لهم في مطالبتهم بحقوقهم المشروعة،المتمثلة في الثورة ضد الظلم والفساد والعدوان، والدعوة إلى الحرية،وتطبيق الحق،وتجسيد العدالة في كل أرجاء المعمورة.

    ومتى تنازلنا عن مشاعرنا،وتخلّينا عن عواطفنا،نكون قد خرجنا من الإنسانية إلى البهيمية ،وربما تحوّلنا إلى وحوش وأبالسة وشياطين، كأولئك الأوغاد الأوباش الذين ذبحوا رسول الله صلى الله عليه وآله في شخص الحسين عليه السلام.


    من هنا يتضح لنا خطأ الذين يدعوننا إلى نبذ الارتباط العاطفي بسيد الشهداء،بحجة أن الإمام الحسين شمعة وليس دمعة،وهو لم يقتل من أجل أن نبكي عليه،وإنما من أجل أن نستلهم منه الدروس التي تنير لنا الدرب،وتهدينا إلى الحق، وتعرّفنا بما يجب علينا تجاه الدين والنفس والمجتمع.....وبالتالي الأمة الإسلامية بكاملها،ثم العالم البشري بأسره.

    والواقع إن ترك هذا الارتباط العاطفي،أو الدعوة إلى التنازل عنه،يعتبر من الأخطاء الجسيمة،ذات الآثار السلبية الكبيرة،وهو أول معوق من معوقات فهمنا للثورة الحسينية،وتفاعلنا معها ،واستفادتنا منها.

    كيف يدعونا هؤلاء إلى مثل هذه الأفكار،ويشجعوننا على نبذ الارتباط العاطفي بأبي الضيم وسيد الشهداء ومأساته الدامية،وهم يرون النبي وآله الأطهار عليهم السلام لم يكفّوا عن حث الناس على الارتباط العاطفي بالسبط الشهيد،ولم يتوانوا عن تشجيعهم على ندبه والبكاء عليه، والتفجع لما حلّ به من الدواهي الجسام والمصائب العظام، مبّينين ومؤكدين أن ذلك من أعظم الأعمال الصالحة،وأفضل الأفعال المقربة إلى الله زلفى.

    وقد كانوا سلام الله عليهم يؤكدون على هذا الأمر الجليل في أحاديثهم الكثيرة،وبسيرتهم العملية الطافحة بالحزن والأسى على سيد الشهداء عليه السلام.

    يقول السيد عبد الحسين شرف الدين قدس سره في ص (19) من كتابه المجالس الفاخرة : (...وقد استمرت سيرة الأئمة على الندب والعويل،وأمروا أولياءهم بإقامة مآتم الحزن على الحسين جيلاً بعد جيل)

    وقد مرّ علينا حديث الإمام علي بن موسى الرضا في ذلك قبل قليل،وليس هو الحديث الوحيد الوارد في هذا الباب،بل له ما يعاضده ويؤازره من الأحاديث المتكاثرة،الواردة في هذا المعنى عن النبي وعترته الطاهرة،مثل ما روي عن باقر علوم آل محمد أنه قال عليه السلام : كان أبي يقول : (أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام دمعة حتى تسيل على خده، صرف الله عن وجهه الأذى،وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار) وقال الصادق سلام الله عليه : (كل الجزع والبكاء مكروه،سوى الجزع والبكاء على الحسين) وعن الإمام علي بن الحسين عليه السلام : (أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين دمعاً حتى تسيل على خده،بوأه الله في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً،و أيما مؤمن دمعت عيناه دمعاً حتى تسيل على خده لأذى مسّنا من عدونا في الدنيا،بوأه الله مبوأ صدق في الجنة) وقال الصادق صلوات الله وسلام الله عليه : (الحسين عبرة كل مؤمن) وعنه عليه السلام أن الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه كان يقول : (أنا قتيل العبرة،لا يذكرني مؤمن إلا استعبر)

    هذا بعض ما ورد في صحيح الأخبار المتواترة ـ بمعناها ـ عن الأئمة الأطهار،أما ما حدثنا به التاريخ عن سيرتهم في التعامل مع قضية كربلاء ومأساة عاشوراء،فقد حدثنا الإمام الصادق عن حالة جده زين العابدين فقال عليه السلام : (إن جدي علي بن الحسين بكى على أبيه عشرين سنة،وما وضع بين يديه طعام إلا بكى) وروي أن بعض موالي الإمام السجاد خاف عليه الهلكة من كثرة الحزن والبكاء،فطلب منه أن يرحم نفسه،ويخفف من حزنه وبكائه قائلاً : إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين؟!

    فقال له الإمام عليه السلام : (يا هذا،إنما أشكو بثي وحزني إلى الله،وأعلم من الله ما لا تعلمون،إن يعقوب كان نبياً فغيّب الله عنه واحداً من أولاده،وعنده اثنا عشر ولداً،وهو يعلم انه حي،فبكى عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن،واني نظرت إلى أبي وأخوتي وعمومتي وصحبي مقتولين حولي،فكيف ينقضي حزني؟!،وإني لا أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة، وإذا نظرت إلى أخواتي وعماتي ذكرت فرارهن من خيمة إلى خيمة)


    وعن أبي عمارة المنشد قال : (ما ذُكر الحسين عند أبي عبد الله - الصادق عليه السلام - في يوم قط فرؤي فيه مبتسماً إلى الليل) وعنه أيضاً أن الإمام الصادق قال له : أنشدني في الحسين بن علي.


    قال : فأنشدته فبكى،ثم أنشدته فبكى،وما زلت أنشده ويبكي،حتى سمعت البكاء من الدار، فقال صلوات الله وسلامه عليه : (يا أبا عمارة، من أنشد في الحسين بن علي فأبكى خمسين فله الجنة،ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنة،ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنة،ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنة،ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى فله الجنة،ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنة)

    كلام الإمام الرضا وهو يصف حال أبيه إذا هلّ المحرم : (كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى فيه ضاحكاً،وكانت الكآبة تغلب عليه فإذا كان اليوم العاشر،كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه )

    وكل الأئمة كانوا على هذا المنوال من الحزن والبكاء على مصاب جدهم الذي كساهم أبراد السواد،وألبسهم ثياب الحداد، أما أم المصائب والأحزان،الحوراء زينب عليها السلام فقد حدثونا عنها فقالوا : (إنها صلوات الله وسلامه عليها خلدت إلى البكاء والنياحة على انقراض أهلها، وكانت لا تجف لها عبرة،ولا تفتر عن البكاء،وكلما نظرت إلى ابن أخيها زين العابدين يزداد وجيبها وحزنها،وقد نخبت المصائب قلبها حتى صارت كأنها جثة هامدة،ولم تبق بعد الكارثة إلا سنتين حتى سمت روحها إلى الرفيق الأعلى)

    وقبل عقيلة الوحي وسادة الأوصياء،كان أشرف الخلق وخاتم الأنبياء يؤكد على مصاب أبي عبد الله الحسين قبل حدوثه بعشرات السنين، ويدعو إلى التفاعل معه بالروح والوجدان، وإظهار شعائر الأحزان، فيقول صلى الله عليه وآله : (كل عين باكية إلا عين بكت على مصاب الحسين،فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة)

    وطالما بكى عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى السلام حزناً على سبطه العزيز،وحدّث بما سيجري عليه من المصائب في المستقبل،ولعن أمة أسرجت وألجمت وتهيأت لقتاله،فاستحلت منه المحارم،وانتهكت بقتله حرمة الإسلام.

    فقد روي أنه صلى الله عليه وآله أخذ الحسين بعد ولادته عليه السلام،ثم دفعه إلى صفية بنت عبد المطلب وهو صلى الله عليه وآله يبكي ويقول : لعن الله قوماً هم قاتلوك يا بني.

    قالها ثلاثاً،فقالت له صفية : فداك أبي وأمي،ومن يقتله؟!

    قال صلى الله عليه وآله : تقتله الفئة الباغية من بني أمية.



    هذه هي سيرة النبي وآله الأكرمين في القول والعمل تجاه أحداث عاشوراء المفجعة،وقد رأيناها سيرة طافحة بالأسى واللوعة،والحزن والألم لذلك المصاب الذي أبكى أهل السموات والأرض،فكيف - والحال هذا - تطلبون منا أن نتخلى عن الارتباط العاطفي بأبي عبد الله، وليس لكم من سلطان في ذلك إلا تلك الحجج الواهية،التي تصطدم مع العقل والضمير، وتخالف ما جاء عن المعصومين عليهم السلام في قولهم وعملهم؟،فهل تريدون منا أن نتخلى عن عواطفنا ومشاعرنا وأحاسيسنا،التي متى تخلينا عنها تخلينا عن إنسانيتنا،وخالفنا فطرتنا التي فطرنا الله عليها،من التعاطف مع المظلومين والوقوف إلى جانبهم،والتفجع لما جرى عليهم؟!،أم تطالبوننا بمخالفة النبي وآله،وأن نترك منهجهم،ونرغب عن سيرتهم؟!،كيف؟!،ومن يرغب عن سيرة هؤلاء العظام إلا من سفه نفسه؟!

    بل لا يمكننا أن ننفتح على الحسين وثورته،ونتفاعل معها تفاعلا إيجابيا،ونستلهم منها الدروس والعظات والعبر،ونتخذها مصباحا مضيئا، وسراجا منيرا،يضيء لنا الدرب وينير لنا البصر والبصيرة،ويهدينا إلى الصراط المستقيم،ويرشدنا إلى الطريق القويم،ويوصلنا إلى الله ويوطد علاقتنا به عز وجل،ويعلمنا كيف نكون أحرارا في دنيانا،نفضل الموت بكرامتنا، على الحياة المقرونة بالذل والمهانة....ما لم نبني بيننا وبين الحسين علاقة الحب،ونوطد الروابط العاطفية.

    فمتى حملنا الحسين بين أضلعنا،وجعلناه أميرا لقلوبنا،ومعشوقا لأرواحنا،وتعاطفنا معه ومع مظلوميته الكبيرة،ومأساته العظيمة،جذبنا ذلك إليه كالمغناطيس،ودفعنا إلى بذل كل غال ونفيس في سبيله،تماما كما يفعل المعشوق لمعشوقه،وما يقدم الحبيب لمحبوبه،وكما يتفاعل الحر الأبي مع المظلومين،ويقف إلى جانبهم بكل قوة،وينصر قضيتهم بكل شجاعة،ويحاول رفع الظلم عنهم بكل بطولة.

    ـ أن تكون علاقتنا بالإمام الحسين علاقة جافة،لا بحجة أنه فقط شمعة وليس دمعة، ولا بغيرها من الحجج الواهية الضعيفة،بل لا بد لنا من علاقة الحب له والمودة فيه إلى حد الانصهار الكامل، والذوبان في عشقه إلى حد الجنون،بل إلى مالا حد له ولا نهاية،كما لابد لنا من الارتباط العاطفي به،والبكاء لما حلّ به من مصائب ومحن تجعل الولدان شيبا،وإن ذلك مما لا يمكن الاستغناء عنه لمن يريد أن يحافظ على إنسانيته وقيمه ومبادئه،ولمن يريد أن يتمسك بالإمام الحسين ويسير على نهجه،ويقتدي به، ويستضيء بنوره،ويستفيد من ثورته،ويتخرج من مدرسته صلوات الله وسلامه عليه.



    من فلك المأساة إلى رحاب الثورة :



    رغم أهمية الارتباط العاطفي بأبي عبد الله عليه السلام،إلا أنه يجب أن لا يؤثر ذلك سلباً علينا،فيجعلنا فقط نسبح - دوماً وأبداً - في فلك المأساة وأحزانها،من غير التفات منا إلى أن الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه ليس دمعة فقط،بل هو دمعة وشمعة،وكما أنه من المهم جدا أن نرتبط به عاطفيا كشهيد مظلوم،ونبكي لمصابه بدل الدموع دما،أيضا يجب أن نستضيء بنور شمعته الإلهية الوقادة،التي نورها يملأ الدنيا بأسرها.

    ومتى جمعنا بين الدمعة والشمعة في علاقتنا بالإمام الحسين عليه السلام،استطعنا أن نستوعب ثورته المقدسة،وتمكنا من الاستفادة منها في كل شؤون الحياة،ولهذا يجب أن لا نسمح لعلاقتنا العاطفية به صلوات الله عليه،أن تلهينا عن الانفتاح على تلك الجوانب المهمة جدا في ثورة كربلاء،فلا بد لنا أن ندخل إلى عمق الثورة الحسينية المباركة،ونحاول أن ندرسها دراسة فكرية واعية،لنتعرف على أهدافها السامية،وغاياتها النبيلة،ونتائجها الإيجابية التي استطاعت أن تقلب الموازين،وتغير وجه التاريخ.

    يجب أن ندقق ونتأمل في كل حدث من أحداث كربلاء،وندرس كل موقف من المواقف التي جرت فيها،سواء من الطرف الهاشمي أو الأموي ،ونحاول أن نستخلص من ذلك الدروس والعظات والعبر التي تفيدنا في حياتنا الفردية والاجتماعية، وتجعلنا نسجل أسماءنا في سجل الخالدين كما فعل أبو عبد الله الحسين عليه السلام.

    فإن في ثورة كربلاء الكثير من المواقف الاجتماعية والأخلاقية والروحية والإنسانية....التي يجدر بنا أن نقف عندها بتأمل وتفكر وتدبر، محاولين الاستفادة منها في الحياة.

    فدرس في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وآخر في أهمية الحق وضرورة الالتزام به،وآخر في وجوب التضحية والفداء في سبيل العقدية والمبدأ،وآخر في ضرورة صون الكرامة الإنسانية والحفاظ عليها،ووجوب افتدائها بكل غال ونفيس،وآخر في مقارعة الظلم ومواجهة الفساد والانحراف بكل ألوانه وأشكاله،وآخر في العبادة وأثرها في حياة الإنسان،وآخر في تربية النفس وتطهيرها من أدران الذنوب والمعاصي،وآخر في التوبة وعدم اليأس من رحمة الله،وآخر في التخطيط للغايات والأهداف بما يكفل لنا النجاح.....وهكذا تتوالى دروس كربلاء التي - كما قلنا ـ لا تكاد تحصر تنوعا وكثرة،لكننا - بكل أسف - في غفلة تامة عنها.

    وهذا ما يجب أن نلتفت إليه ونحن نعيش عاشوراء وذكرى استشهاد سيد الشهداء،فنحاول أن نستلهم منه ومن ثورته المظفرة،ونستفيد منها في واقعنا المعاش وحياتنا العملية، لنستطيع أن نبني أنفسنا وأسرنا ومجتمعاتنا وأمتنا،بناء حقيقيا يجعلنا نصل إلى قمة الكمال الإنساني ونتربع على عرشه دون منافس.


  • #2

    ماجورين
    بارك الله بكم



    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X