إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الكُتّاب والسّياسة في العصر العباسيّ الأوّل

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكُتّاب والسّياسة في العصر العباسيّ الأوّل

    الكُتّاب والسّياسة في العصر العباسيّ الأوّل


    (الفِكر والممارسة)


    قيل إن الكتابة في دواوين الدولة قديماً هي (أشرف مراتب الدّنيا بعد الخلافة)؛ نظراً للمكانة السامقة، والمنزلة العليّة، التي تبوّأها الكتّاب في إدارة سياسة الدولة وقضايا الحكم, وكانت الكتابة، في كثيرٍ من الأحيان مَرْقاة للوصول إلى سُدّة الوزارة، وسبيلاً إلى بلوغ هذه المرتبة العالية، غير أن الاصطلاء بنار السياسة وويلاتها كان نصيب كثيرٍ منهم.


    ويعرض هذا البحث لعلاقة الكتاب بالسياسة في ذلك العصر، من خلال إطالة على مكانة الكُتَّاب ومنزلتهم، وعلاقة صناعة الكتابة بالوزارة، والمِحن والنكبات السياسية التي تعرّض لها الكتَّاب الوزراء، وإسهاماتهم في خدمة الثقافة العربية الإسلامية عامةً، والفكر السياسي على وجه الخصوص.


    أولاً ـ تمهيد (في ثقافة الكتاب ومنزلتهم):


    غنيٌّ عن البيان أنّ الدّيوان ـ كما يذكر القلقشندي (ت 821 هـ): "اسم للموضع الذي يجلس فيه الكُتّاب"(1)، وقد أصبح ـ بوصفه مصطلحاً ـ يشير إلى المكان الذي يتمّ فيه النظر في شؤون الدولة، ومن ثمَّ كان مدلول كلمة (كتَّاب) يشير إلى "فئة متميّزة من المختصين بالتدبير الكتابي لشؤون الدولة، وذلك منذ نشأة الدولة الإسلامية"(2).


    ومع انتشار الإسلام واتساع رقعة الدولة الإسلامية، "تعدّدت الدواوين، وتفرّعت مهامها وتخصصاتها من أجل تصريف شؤون الدولة الحديثة، وأصبح للدواوين وأصحابها سلطان وأنظمة وقوانين، يمكن أن نطلق عليها مصطلح (الدواوينية أو الديوانية), الذي يقابل (البيروقراطية) في الوقت الحاضر، بالمعنى الحيادي للتعبير"(3).


    وقد فصَّل العلماء القول في الأمور التي ينبغي أن يتّصف بها من يروم صناعة الكتابة، أَو ْما يُعرف بآلات البيان وأدواته ـ بحسب تعبيرهم ـ وكانت رسالة عبد الحميد الكاتب من أول ما صُنّف في هذا الباب؛ أعني ثقافة الكتَّاب(4)، وأتى من بعده خَلَفٌ آخرون، كان القلقشندي أكثرهم استيعاباً وشمولاً في موسوعته (صُبْح الأعشى في صناعة الإنشا).


    وقد نبّه ابن الأثير (ت 637 هـ) إلى أن الكاتب ينبغي أن يتعلّق بكل علم، بخلاف النحوي، أو الفقيه أو المتكلم، ومما يجدر بالكاتب ـ عنده ـ الإلمام بالعربية، وعلم اللغة، وأمثال العرب، وأيامها، والأحكام السلطانية في الإمامة والإمارة والقضاء والحِسْبة وغير ذلك، وحفظ القرآن الكريم، والحديث الشريف، ثم خلُص إلى القول: "وبالجملة؛ فإن صاحب هذه الصناعة يحتاج إلى التشبث بكل فن من الفنون، حتى إنه يحتاج إلى معرفة ما تقوله النادبة بين النساء، والماشطة عند جلْوة العروس، وإلى ما يقوله المنادي في السوق على السلعة، فما ظنُّك بما فوق هذا؟ والسبب في ذلك أنه مؤهلٌ لأن يهيم في كلِّ وادٍ، فيحتاج أن يتعلق بكل فنّ"(5).


    إذن، لم يكن الوصول إلى مرتبة الكاتب بالمرتقى السهل؛ إذ لا بد للمرء أن يكون موسوعيَّ المعرفة، غزير العلم، جمّ الثقافة، وقد كان الكاتب يُمتحن امتحاناً دقيقاً، تتبدّى من خلاله معرفته الأدبية والفكرية. وثمة دلائل عديدة، ونصوص كثيرة في عصرنا العباسي الأول" تُرينا ما كان يُطلب في الكاتب من ثقافةٍ واسعة، ومن حصافةٍ وتهذيبٍ في الذوق، وحلمٍ وأناة وذكاء، وقدرةٍ على تصريف الأمور،وإحسانٍ للجواب،ولباقةٍ في الخطاب، وبلاغةٍ في الكلام، بحيث يجذب القلوب والأسماع إليه، بل بحيث يسترق أفئدة الرجال، ويستولي على عقولهم استيلاء"(6).


    وممّا تجدر الإشارة إليه، أن كتّاب الدواوين ليسوا في المنزلة سواء، بل هم في درجات ومراتب يفضل بعضها بعضاً، وفقاً لطبيعة العمل والديوان الذي يعمل فيه، فثمة (كاتب الخطّ)؛ وهو الذي ينسخ بخطّه الحسن مختلف الرسائل والوثائق الرسمية، و(كاتب اللفظ)، و(كاتب العقد، أو الحساب)، و(كاتب الحُكم) وهو من أهم أنواع الكتّاب؛ لأن موضوعه تطبيق أحكام الشريعة والأحكام السلطانية، و(كاتب التدبير أو الوزير)، وهو أعلى مراتب صناعة الكتابة، وكان لـه نفوذٌ واسعٌ في الدولة العباسية"(7).


    ثانياً ـ صناعة الكتابة والوزارة:


    وهنا يمكن القول : إن العلاقة بين صنعة الكتابة وإدارة شؤون الدولة علاقة مترابطة، أو بالأحرى علاقة وثيقة؛ إذ "كان ديوان الإنشاء [الرسائل] تارة يضاف إلى الوزارة، فيكون الوزير هو الذي ينفذ أموره بقلمه، ويتولى أحواله بنفسه، وتارة يُفرد عنه بكاتب ينظر في أمره، ويكون الوزير هو الذي ينفذ أموره بكلامه، ويصرفها بتوقيعه على القصص ونحوها، وصاحب ديوان الإنشاء يعتمد على ما يرِدُ عليه من ديوان الوزارة، ويمشي على ما يُلقى إليه من توقيعه، وربما وقع الخليفة بنفسه حتى بعد غلبة ملوك الأعاجم من الديلم وبني سلجوق وغيرهم على الأمر.


    والأمر على ذلك تارة وتارة على انقراض الخلافة من بغداد"(8) ولذا كانت الكتابة السبيل الأرحب إلى أرقى المناصب؛ وأعني الوزارة؛ فقد توسّل بها كثيرٌ من النابهين، الذين ما لبث نجمهم أن سطع، وتسمّوا بالوزراء، ومنهم من فاته شرف اللقب فحسب؛ إذ كان يعمل عمل الوزراء، سواء بسواء.


    وقد ذكر ابن عبد ربه في هذا الشأن (ت 328هـ) كثيراً ممّن نَبُلَ بالكتابة ـ كما يقول ـ وكان من قبلُ خاملاً، منهم في عصرنا: يعقوب بن داود، ويحيى بن خالد البرمكي، وابن المقفع، والفضل بن سهل، وأخوه الحسن، وأحمد بن يوسف، ومحمد بن عبد الملك الزيّات، وغيرهم كثير(9)".


    وهؤلاء بعض من شرّفته الكتابة، ورفعت قدره، ولو اعتبر من شرُف بالكتابة، وارتفع قدره بها؛ لفاتوا الحصر، وخرجوا عن الحد"، كما يقول القلقشندي(10).


    ويشي كتاب الجهشياري (ت 331 هـ) المرسوم بـ (الوزراء والكتّاب) بالمنزلة العليّة، والمكانة السَّنيَّة للكتّاب، في الدولة الإسلامية عصرئذٍ، إذ يوحي العنوان بأن منزلتهم لا تقلّ عن منزلة الوزراء أو تدانيها مقاماً ، ولعلّ وصول كثيرٍ من الكتّاب إلى مقام الوزير، سواء أكانوا يلقّبون بالوزارة أم بالكتابة، كان مَدْعاة إلى تسمية الكِتاب بهذا الاسم؛ إذ كان عمل الكاتب وثيق الصّلة بعمل الوزير.


    .


    الهوامش:


    (1) ـ صبح الأعشى في صناعة الإنشا 1/123. وثمّة معانٍ أخرى للديوان، وردت في معجمات اللغة، انظر: لسان العرب، مادة: دَوَنَ.


    (2) ـ أومليل، علي: السلطة الثقافية والسلطة السياسية، ص 53.


    (3) ـ الحسنية، سليم: أضواء على صناعة الكتابة الدواوينية عند العرب، ص 9، 75. وذكر المؤلف أن كلمة (البيروقراطية) تعني: السلطة المكتبية (الديوانية) وغالباً ما يشير المصطلح، في الوقت الحاضر، إلى الحكومة وهيئاتها وأسلوبها الروتيني في إنجاز العمل، وظهر هذا المعنى السلبي لهذا لمصطلح في الربع الثاني في القرن العشرين. وبالأصل فإن كلمة (بيروقراطية) لا تحمل أي معنى سلبي، وغير مستحبّ، "والبيروقراطية كمفهوم هي إحدى النظريات الاقتصادية لعقلنة وترشيد العمل الإداري"، ص 75.


    (4) ـ انظر: الجهشياري: الوزراء والكتاب ص 74 ـ 79. وابن خلدون: المقدمة 1/262 ـ 265. والقلقشندي: صبح الأعشى 1/118 ـ 122. وكرد علي، محمد: رسائل البلغاء، ص 222 ـ 226.


    (5) ـ المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر 1/31. وانظر: ص 7 ـ 31.


    (6) ـ ضيف، شوقي: العصر العباسي الأول، ص 485.


    (7) ـ أومليل: المرجع نفسه، ص 53، والحسنية: نفسه، ص 38.


    (8) ـ صبح الأعشى 1/127.


    (9) ـ العقد 4/160 ـ 161. وصبح الأعشى 1/69.


    (10) ـ صبح الأعشى ـ 69 ـ 70.


    التتمة في المقال القادم
    التعديل الأخير تم بواسطة ضيف; الساعة 10-03-2011, 11:37 PM. سبب آخر: حصل خطا في انزال المصادر

  • #2
    شكرا على الموضوع

    تعليق


    • #3
      احسنتم كثيرا

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X