8 - حديث مشارب النخل :
اورده في كنز العمال عن أبي نعيم عن صفوان بن سليم ، عن ثعلبة ابن ابي مالك : ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال (لا ضرر ولا ضرار) وان رسول الله صلى الله عليه وآله : قضى في مشارب النخل بالسيل الاعلى على الاسفل حتى يشرب الاعلى ويروي الماء الى الكفين ، ثم يسرح الماء الى الاسفل وكذلك حتى تنقضي الحوائط ويغني الماء(2) .
وهذا الحديت لا ظهور له في الارتباط بين قوله صلى الله عليه وآله (لا ضرر ولا ضرار) وبين قضائه في مشارب النخيل ، ولا سيما مع تكرار ذكره صلى الله عليه وآله فيه .
____________
(2) كنز العمال 3 : 919 ح 9167.

(72 )
وروي قضاؤه صلى الله عليه واله في مشارب النخيل من دون تعقبه أو تقدمه بـ (لا ضرر ولا ضرار) في جملة من مصادر الخاصة والعامة .
اما الخاصة فقد ورد في مصادرهم (1) عن ثلاثة اشخاص هم :
1- عقبة بن خالد واورد حديثه الكليني وينقله عنه الشيخ (2) .
2 - غياث بن ابراهيم وقد ورد حديثه بطريقين في الكافي ونقله الشيخ باسناده عن احمد بن محمد - والظاهر انه اخذه من الكافي ايضا - كما رواه الصدوق في الفقيه بسنده الى غياث .
3 - حفص بن غياث - وهو عامي المذهب - وقد اورد حديثه الكليني باسناده اليه ورواه عنه الشيخ (قده ) .
واما العامة فقد روى ذلك جمع منهم في مصادرهم عن جمع ، منهم عبادة بن الصامت (3).
هذا تمام الكلام في البحث الأول من الفصل الأول في ذكر القضايا التي تضمنت تطبيق كبرى (لا ضرر ولا ضرار) على مواردها في كتب الخاصة والعامة ، وقد عرفت انها ثمان قضايا وعمدتها القضايا الثلاث الأولى المروية في كتب الامامية .

***
البحث الثاني : في تحقيق لفظ حديث (لا ضرر ولا ضرار) .
ويقع الكلام فيه تارة في زيادة (في الاسلام ) في اخره ، واخرى في زيادة (على مؤمن ) بدلأ عنه ، وثالثة في ثبوت القسم الثاني من الحديث أي
____________
(1) الوسائل 25 : 420 | 32263 .
(2) مسند أحمد5 : 326، كنز العمال 3: 3 0 9 ح 7 1 1 9 .
(3) الكاقي 5 : 278 ح 6، التهذيب 0 4 1 ح 2 6 .

(73 )
قوله (لا ضرار) ، وانه على تقدير ثبوته هل هو بهذه الصيغة أو بصيغة اخرى مثل (لا اضرار) أو (لا ضرورة)؟ فالكلام في مقامات :
المقام الاول : في تحقيق زيادة (في الاسلام ) في اخر الحديث .
ويقع البحث عنه تارة من حيث وجود هذه الزيادة في المصادر الحديثية وغيرها، واخرى في اعتبارها وعدمه فهنا امران : الامر الاول : في تحقيق وجود هذه الزيادة في المصادر التي تعرضت لذكر حديث (لا ضرر ولا ضرار) .
ادعى العلأمة شيخ الشريعة (قده ) ان هذه الزيادة غير ثابتة في شيء من كتب العامة والخاصة عدا النهاية في غريب الحديث لابن الاثير، ولا يدرى انه من اين جاء بها؟
قال (1) (قدس سره ) : ان الثابت في روايات العامة هو قوله (لا ضرر ولا ضرار) من غير تعقيب قوله (في الاسلام ) ، فقد تفحصت في كتبهم وتتبعت في صحاحهم ومسانيدهم وغيرها فحصا اكيدأ ، فلم اجد رواية في طرقهم الا عن ابن عباس ، وعن عبادة بن الصامت ، وكلاهما رويا من غير هذه الزيادة ، ولا ادري من اين جاء ابن الإثير في النهاية بهذه الزيادة، وليس المقام من مصاديق القاعدة السابقة من تقدم الزيادة على النقيصة والحكم بوجودها، فانها فيما اذا ثبتت الزيادة بطريق معتبر لا في غيره ممالم يثبت أو ثبت خلافها أو ارسلها واحد أو اثنان ، فلا يمكن الاحتجاج بمثل هذه الزيادة التي لو لم يدع الجزم بخطئها فغاية ما فيه الارسال ممن لا يعلم حال مراسيله على حكم ديني وفرع فقهي .
واضاف (قده ) : وناهيك في المقام ان علامتهم المتبحر الماهر
____________
(1) رسالة لا ضرر: 7 .

(74 )
السيوطي الذي تجاوزت تصانيفه عن خمسمائة، ويعدونه مجدد المائة التاسعة، وقيل انه ما بلغ احد درجة الاجتهاد بعد الائمة الاربعة الأ السيوطي ، صنف كتابه (جمع الجوامع ) في الحديث ، وجمع فيه جميع كتب الحديث من الصحاح وغيرها كصحيحي البخاري ومسلم ، وصحيح الترمذي ، وسنن ابن داود، وسنن النسائي ، وصحيح ابن ماجة القزويني ، وموطأ مالك ، ومسند أحمد بن حنبل ، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن عوانة، ومستدرك الحاكم ، ومنتقى ابن الجارود، وصحيح ابن حبان ، وصحيح الطبراني ، وسنن سعيد بن منصور، وابن ابي شيبة، وجامع عبدالرزاق ، ومسند أبي يعلى ، وسنن الدارقطني ، والصحاح المختارة للضياء المقدسي ، وشعب الايمان للبيهقي ، والكامل لابن عدي ، وغيرها من كتب كئيرة لا نطيل بنقلها، ولم ينقل في هذا الكتاب الا قوله صلى الله عليه وآله (لا ضرر ولا ضرار) فقط ؟ وذكر رواية احمد في مسنده وابن ماجة في صحيحه .
ثم قال (قده ) (وهذه كتب احاديث اهل السنة تراها خالية عن قوله (في الاسلام )، فمن اين هذه الزيادة حتى نقدمها على النقيصة، ونستشهد بها على معنى الحديث ونستعين بها في بعض المقاصد والفروع ؟ فما اشتهر في الكتب وتداولوه في الاستشهاد بها ليس على ما ينبغي .
واعجب من الكل ما رأيته في كلام بعض المعاصرين من دعوى الاستفاضة مع هذا القيد ، واسناده الى المحققين دعوى تواتر هذا الحديث مع هذه الزيادة- انتهى موضع الحاجة من كلامه -.
وقد تأثر بما ذكره (قده ) غيرواحد ممن تأخرعنه ولا سيما فيما ذكره من عدم وجود الزيادة المذكورة في مصادر العامة غير النهاية الاثيرية .

(75 )
ويبدو انه (قدس سره ) لم يطلع على نقل الفقيه (1)لحديث (لا ضرر ولا ضرار) مع اضافة في الاسلام ، والا لما بالغ في نفيها .
وقد شكك بعض الاعاظم (2) تاثرأ بالنفي البالغ الذي ذكره العلامة شيخ الشريعة (قده ) في اصل وجود هذه الاضافة في الفقيه : قائلا انه لم يثبت وجودها في نقل الفقيه ايضا على نحو يطمئن به ، لاحتمال ان تكون الزيادة من قبل الكاتب ، وذلك لانه قد جاء في الفقيه بعد ذكر(لا ضرر)، فالاسلام يزيد المسلم خيرا ولا يزيده شرا، فمن المحتمل ان الناسخ قد كتب كلمة (فالاسلام ) مكررأ لغفلته عن كتابتها اولا، كما يقع ذلك كثيرا، ثم تصور بعض من تأخر عنه ان (فالاسلام ) الأولى تحريف (في الاسلام ) ، فصححه تصحيحا قياسيا مبدلاً للفاء بـ (في )، فتحقق بذلك (لا ضررولا ضرار في الاسلام ) ، فكان وجود هذه الزيادة في الفقيه وليد عملين : تكرار خاطئ اولا ، وتصحيح قياسي للتكرار دون التنبه الى منشأه ثانيا .
هذا غاية ما يمكن ان يقال في التشكيك في ثبوت زيادة (في الاسلام ) في آخر الحديث .
وفي مجموع ما ذكر ملاحظات :
الملاحظة الاولى : ان ما ذكره العلامة شيخ الشريعة (قده ) من حصر راوي حديث (لا ضرر ولا ضرار) لدى العامة ، في شخصين ابن عباس ، وعبادة بن الصامت ، ليس بصحيح ، وتوضيح الحال :
ان هذا الحديث قد ورد في كتب العامة على نحوين : مرسلا ومسندا .
اما المرسل فقد ورد في موطأ مالك (3)، عن عمرو بن يحيى المازني ،
____________
(1) الفقيه 4 : 3 4 2 ح 777 .
(2) رسالة لا ضرر للإمام الخميني : 25 .
(3) الموطأ 2 : .

(76 )
عن ابيه : ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال (لا ضرر ولا ضرار)، وورد ايضا في جامع الصنعاني - على ما في كنز العمال (1) -عن ابن اليميني ، عن الحجاج بن أرطأة، أخبرني ابوجعفر ان نخلة كانت بين رجلين فاختصما فيها الى النبي صلى الله عليه واله فقال احدهما اشققها نصفين بيني وبينه فقال النبي صلى الله عليه وآله (لا ضرر) - وعدّ هذا الحديث مرسلا مبني على اصول العامة من عد روايات ائمتنا عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله من غير ذكر الوسائط من قسم المراسيل ، وان كانت عندنا من المسانيد .
وعلى اي تقدير فقد ورد نقل (لا ضرر) مرسلا في كثير من الكتب الفقهية واللغوية تارة مع الزيادة واخرى بدونها - كما سيأتي عرض ذلك ان شاء الله تعالى .
وأما المسند فقد نقل عن جملة من الصحابة يبلغ عددهم ثمانية أو تسعة رواة وهم :
1- ابن عباس . وقد نقل حديثه في مصادر:
منها : سنن ابن ماجة(2): رواه باسناده عن جابر الجعفي عن عكرمة ، عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله : (لا ضررولا ضرار) .
ومنها : المصنف (3) لعبدالرزاق الصنعاني رواه عن معمر، عن جابر الجعفي كما تقدم .
ومنها : مسند احمد(4)، رواه عن عبدالرزاق بنفس السند المذكور،
____________
(1) كنز العمال 5 : 43 8 ح 534 4 1 .
(2) سنن ابن ماجة 2 : 4 78 ح 1 4 3 .
(3) كما في نصب الراية 4 : 4 38.
(4) مسند أحمد بن حنبل 1| 3133.

(77 )
ولكن بلفظ (لا ضرر ولا اضرار) .
ومنها : سنن الدارقطني (1) رواه باسناده عن داود بن الحصين عن عكرمة، عن ابن عباس بلفظ (لا ضرر ولا اضرار) .
ومنها: المعجم للطبراني -على ما في نصب الراية(2) -عن ابن ابي شيبة، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة، عن سماك عن عكرمة .
2 - ابو سعيد الخدري .
وقد ورد حديثه في مصادر: منها : المستدرك للحاكم (3) : رواه باسناده عن عمرو بن يحيى المازني ، عن ابيه ، عن ابي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه واله قال (لا ضرر ولا ضرار - من ضار ضاره الله ومن شاق شاق الله عليه )، قال الحاكم : (هذا حديث صحيح الاسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه ) ولم يتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك .
ومنها : سنن الدارقطني (4) رواه باسناده عن المازني ، ولكن بلفظ (لا ضرر ولا اضرار) .
ومنها : التمهيد في شرح الموطأ لابن عبدالبر- على ما حكي عنه (5)-.
ومنها: سنن البيهقي (6).
3 - ابو لبابة .
نقل حديثه ابوداود في المراسيل عن واسع بن حبان عنه - على ما ذكره الزيلعي في نصب الراية(7) - ونص الحديث قال (واسع )
____________
(1) سنن الدارقطني 4 : 28 |2 ح 84 .
(2) نصب الراية 4 | 4 38 .
(3) المستدرك على الصحيحين 2 |57 .
(4) سنن الدارقطني 4 : 28 2 ح 5 8 .
(5) لاحظ نصب الراية 4 | 285 .
(6) سنن البيهقي 6 : 157 .
(7) نصب الراية 4 | 385 .

(78 )
كان لابي لبابة عذق في حائط رجل فكلمه ، فقال انك تطأ حائطي الى عذقك ، فانا اعطيك مثله في حائطي ، واخرجه عني فابى عليه فكلم النبى صلى الله عليه وآله فقال يا ابا لبابة خذ مثل عذقك فحزها الى مالك ، واكفف عن صاحبك ما يكره ، فقال ما انا بفاعل فقال اذهب فأخرج له مثل عذقه الى حائطه ، ثم اضرب فوق ذلك بجدار (فانه لا ضرر في الاسلام ولا ضرار) .
4 - ابو هريرة . أورد حديثه الدارقطني في سننه (1) باسناده عن ابن عطاء، عن ابيه ، عن ابي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وآله قال (لا ضرر ولا ضرررة) ولا يمنعن احدكم جاره أن يضع خشبة على حائطه .
5 - ثعلبة بن مالك . اورد حديئه ابونعيم - على ما في كنز العمال (2)- باسناده عن صفوان بن سليم ، عن ثعلبة : أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال (لا ضرر ولا ضرار) . ونقله ايضا الطبراني في معجمه -على ما حكاه الزيلعي (3) - بسنده الى صفوان عن ثعلبة .
6 - جابر بن عبدالله . روى حديثه الطبراني في معجمه الاوسط - على ما حكاه الزيلعي في نصب الراية (4) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (5) - باسناده عن واسع بن حبان ، عن جابر بن عبدالله ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) .
7 - عاثشة . نقل حديثها الدارقطني في سننه (6) باسناده عن عمرة،
____________
(1) سنن الدارقطني 4 : 28 2 ح 86 .
(2) كنز العمال 3 : 919 ح 9167 .
(3) نصب الراية 4 | 386 .
(4) نصب الراية 4 | 385 .
(5) مجمع الزوائد 4 | 110 .
(6) سنن الدارقطني 4 : 27 2 ح 83 .

(79 )
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله قال (لا ضرر ولا ضرار) ورواه الطبراني ايضا في معجمه الاوسط - كما في نصب الراية ومجمع الزوائد (1) - بطريقين عن نافع بن مالك عن القاسم بن محمد، عن عائشة احدهما بلفظ (لا ضرر ولا ضرار) واما الثاني فنقله الهيثمي بهذا اللفظ ايضا ولكن نقله الزيلعي بلفظ (لا ضرر ولا ضرار) .
8 - عبادة بن الصامت . - وهوأشهر رواة الحديث - وقد ورد حديثه في عدة مصادر:
منها: سنن ابن ماجة بطريقه الى موسى بن عقبة بن الوليد بن عبادة، عن جد أبيه عبادة بن الصامت : أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى أن لا ضرر ولا ضرار(2) .
ومنها: صحيح أبي عوانة-على ما في كنز العمال (3)-.
ومنها : المعجم الكبير للطبراني - على ما في كنز العمال ايضا(4)-.
ومنها: سنن البيهقي (5).
ومنها: مسند احمد بن حنبل (6).
واذا اعتبرنا الرواية المذكورة في جامع الصنعانى عن أبي جعفر عليه السلام ، مروية عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام - باعتبار ان ما ينقله عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله فانما ينقله عن آبائه - فسوف تكون رواة
____________
(1) نصب الراية 4 : 286 ، ومجمع الزوائد 4 : 110، المعجم الأوسط 2 : 23 ح 1037.
(2) سنن ابن ماجة 2 : 784| 2340 .
(3) كنز العمال 4 : 59 ح 9498 .
(4) كنز العمال 3| 209 الطبعة القد يمة .
(5) سنن البيهقي 6 : 157.
(6) مسند أحمد بن حنبل 5: 326 .

(80 )
الحديث تسعة .
وبما ذكرنا يتضح :
اولا : ان نقل الحديث ليس محصورا بالنقل المسند في كتبهم ، لكي يقال في بيان عدم وجود الحديث مع الزيادة فيها انه لم يروه الا ابن عباس وعبادة ، وروايتهما لا تتضمن الزيادة ؛ اذ يمكن ثبوت الزيادة في المنقول مرسلا، كما ثبث ذلك فعلأ على ما مر، فلا بد من نفي ثبوت الحديث مرسلأ ومسندا مع الزيادة لكي يتم البيان المذكور.
وثانيا : ان الراوي للحديث لا ينحصر بابن عباس وعبادة بل له رواة كثيرون غيرهما، نعم هما اشهر من نقل الحديث لورود روايتهما في جملة وافرة من مصادرهم .
وثالثا : ان مصدر الحديث لا ينحصر بسنن ابن ماجة ومسند احمد، بل له مصادر اخرى كالموطأ لمالك والمصنف لعبدالرزاق وسنن الدارقطني ، والمعجم الكبير، والاوسط للطبراني ، والمستدرك للحاكم ، وسنن البيهقي ، وغيرها مما تقدمت الاشارة إلى بعضها .
والملاحظة الثانية : ان ما ذكره (قده ) من عدم معلومية مصدر ابن الاثير في نقل هذه الزيادة في النهاية ليس في محله ، فان مصدره في ذلك واضح من نفس كتابه وهو كتاب (غريب الحديث والقرآن ) لابي عبيد احمد بن محمد الهروي صاحب أبي منصور الازهري اللغوي المتوفى سنة 401 .
وتوضيح ذلك :
ان ابن الاثير- كما صرح في مقدمة النهاية(1)-قد جمع في كتابه هذا بين كتاب الهروي ، ويين كتاب أبي موسى محمد بن ابي بكر الاصفهاني
____________
(1) لنهاية 3 : 81 .

(81 )
المتوفى سنة 581، واضاف هو على ذلك ما تيسر له ، وقد جعل لما اخذه من كل منهما علامة، فكانت علامة الأول (هـ ) وعلامة الئاني (س )، وما اضافه عليهما جعله مهملا بلا علامة، وكلامه المتضمن لشرح حديث لا ضرر ولا ضرار في الاسلام مقرون بالعلامة الأولى ، فيعلم أنه مأخوذ من كتاب أبي عبيدالهروي .
الملاحظة الثالثة : ان حصر مصدر الزيادة بنهاية ابن الاثير- كما جاء في كلامه (قده ) - حيث قال :
(وانما توجد في نهاية ابن الاثير) ليس بصحيح ، لانها توجد في جملة من كتب الحديث والفقه واللغة وغيرها.
اما في (كتب الحديث ) فتوجد في مصادر العامة في عدة كتب علم بعضها مما سبق . . وفي ضمن ثلاث روايات :
1- رواية ابي لبابة المروية في مراسيل ابي داود.
2 - رواية جابر بن عبدالله المروية في المعجم الاوسط للطبراني .
3 - رواية أبي جعفر عليه السلام المروية في المصنف لعبد الرزاق الصنعاني .
واما في مصادرنا فيوجد الحديث مع الزيادة في كتابين :
احدهما: الفقيه كما مر نقله عنه .
وثانيهما : عوالي اللآلي لابن أبي جمهور الاحسائي الذي نقل الحديث عن الشهيد الأول (ره ) في بعض مصنفاته عن أبي سعيد الخدري وهوأحد رواة العامة مما يظهر منه أنه نقل الحديث من مصادرهم ولا يبعد أن يكون الصدوق (قده ) أيضا قد أخذه من مصادرهم كما أنه ذكر الحديث في مقام الاحتجاج على العامة ، مقرونا بعدة أحاديث اخرئ مروية من طرقهم .
وأما في (كتب الفقه ) فيوجد في جملة من كتب فقه العامة:
(82 )
منها : بدائع الصنائع (1) للكاساني الحنفي قال في كلام له (وأمّا الذي يرجع الى المولّى فيه فهو ان لا يكون من التصرفات الضارة بالمولّى عليه لقوله صلى الله عليه وآله (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) .
ومنها : المبسوط (2) للسرخسي الحنفي حيث قال في كلام له (فاذا كان تقديم الغرباء يضر باهل المصر قدمهم على منازلهم عملا بقوله صلى الله عليه وآله (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) .
ومنها : شرح الخراج (3) لبعض متأخري الحنفية حيث قال في كلام له (والضرر حرام لقوله : لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) .
ويوجد في بعض كتب فقه الزيدية ايضا ككتاب البحر الزخار(4)حيث قال في كلام له (واذا باعه الراهن فباطل لابطاله حق المرتهن وقد قال صلى الله عليه وآله (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) .
ويوجد في جملة من كتب الامامية ايضا كالخلاف للشيخ الطوسي في كتاب الشفعة(5)، والتذكرة للعلامة في خيار الغبن (6) .
واما في (كتب اللغة) : فيوجد في تهذيب اللغة للازهري (7) وغريب الحديث والقرآن لابي عبيد(8) واساس البلاغة للزمخشري (9) وفي جملة من
____________
(1) بدائع الصنائع 6 :265 .
(2) المبسوط 16 | 81 .
(3) الرتاج 2 | 120.
(4) البحر الزخار5 | 119 .
(5) الخلاف 2 : 109 .
(6) تذكرة الفقهاء 1 | 522 .
(7) تهذيب اللغة11 | 457 .
(8) كما تقدم عن نهاية الأثر 3 : 81 .
(9) أساس البلاغة 268 .

(83 )
القواميس اللغوية المتأخرة كلسان العرب (1) وغيره .
هذا ما اطلعنا عليه من موارد ذكر الحديث مع الاضافة في كتب الفريقين ولعل المتتبع يجد اكثر من ذلك .
الملاحظة الرابعة : ان ما ذكره بعض الاعاظم (2) من التشكيك في وجود زيادة (في الاسلام ) في الفقيه محل نظر من وجهين :
الأول : ان مجرد امكان تخريج زيادة كلمة خطأ على اساس التكرارأو غيره من مناشئ الخطأ في الكتابة لا يقوم حجة على وقوع الخطأ بالفعل ، بل لا بدّ من قيام شاهد عليه ، ولا شاهد في المقام على ذلك بل بعض الشواهد يقتضي خلافه ، فان نسخ الكتب الاربعة كانت مقروءة على المشايخ من بدو تأليفها الى قريب هذه الاعصار وتوجد جملة من النسخ المقروءة عليهم بايدينا ، فيضعف مع ذلك ادعاء وقوع التحريف بالزيادة في مرحلة القراءة وان سلم انه يحصل في الكتابة ، مضافا الى ان الجوامع الحديثية التي نقلت هذا الحديث عن الفقيه انما نقلته مع تلك الزيادة كالوسائل وغيرها ولم ينقل احتمال ما ذكر من التصحيف عن احد من محشي الفقيه وشراحه .
الثاني : ان مقتضى كلام الصدوق (قده ) في الاحتجاج بهذا الحديث وجود هذه الزيادة، فانه ذكر هذا الحديث في سياق الاحتجاج على العامة في قولهم ان المسلم لا يرث الكافرفقال (3) : ان الله عزوجل انما حرم على الكفار الميراث عقوبة لهم بكفرهم ، كما حرم على القاتل عقوبة لقتله ، فاما المسلم فلأي جرم وعقوبة يحرم الميراث ؟ ! وكيف صار الاسلام يزيده شراً؟ ! مع قول النبي صلى الله عليه وآله : الاسلام يزيد ولا ينقص ، ومع قوله عليه
____________
(1) لسان العرب 4 | 482 .
(2) الإمام الخميي في الرسائل : 25 .
(3) من لا يحضره الفقيه 4 : 43 2 ح 776-778 .

(84 )
وآله السلام : (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) فالاسلام يزيد المسلم خيرا ولا يزيده شرا ، ومع قوله عليه وآله السلام : الاسلام يعلو ولا يعلى عليه.
فيلاحظ ان احتجاجه بحديث (لا ضرر ولا ضرار) مبني على ان اسلام المرء لا يوجب ضررا عليه ، وهذا يتوقف على ثبوت تلك الزيادة لكن مع تفسير الاسلام بالاعتقاد بالدين ، دون نفس الدين وجعل كلمة (في ) للتعليل كما في قولهم (قتل فلان في دينه ) فيكون مؤدى الحديث انه لا ضرر على المرء باسلامه فلو فرضنا خلو الحديث عن الزيادة في ذيله لم يمكن الاحتجاج به للمدعى المذكور.
فظهر بما ذكرناه ان التشكيك في وجود زيادة (في الاسلام ) في الفقيه في غيرمحله .
هذا تمام الكلام في تحقيق وجود هذه الزيادة في المصادر الحديثية وغيرها وعدمه .
الامر الثاني : في تحقيق اعتبار هذه الزيادة وهل انها ثابتة في الخبر على وجه معتبرام لا؟ وجهان بل قولان ويمكن الاستدلال للوجه الأول من ثبوتها واعتبارها بوجوه :
الوجه الأول : ان حديث لا ضرر ولا ضرار مع هذه الاضافة مروي في كتب الحديث للفريقين ومشهور في السنة الفقهاء حتى انه ذكربهذا المتن في كتب اللغة وذلك مما يوجب الوثوق بثبوت الزيادة وصحتها .
ويرد عليه :
أولاً :
انه لم يذكر مع الزيادة في كتب اصحابنا - فيما اطلعنا عليه - إلا في مقام الاحتجاج به على العامة من حيث وروده من طرقهم ، فلا يدل على نقله من طرقنا ايضأ ليقال انه مروي من طرق الفريقين فيمكن الوثوق
(85 )
بصحته .
وثانياً :ان تكرارالخبرمع الزيادة مرسلأ من قبل الفقهاء واللغويين أو المحدثين ، مما لا يوجب الوثوق به وإنما الذي يوجب الوثوق به تعدد طرقه واختلافها ليزداد بذلك احتمال صدوره حتى يصل الى مرتبة الوثوق والاطمئنان وهذا ما لم يتحقق في المقام.
الوجه الئاني : ان هذا الحديث مع الزيادة مروي في الفقيه بصيغة جزمية اي ان الصدوق (قده ) اسنده الى المعصوم عليه السلام بصورة الجزم حيث قال : (ومع قوله عليه السلام لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) وهو مما يستوجب الاعتماد عليه ، وإن كان النقل مرسلا فانه وان لم تثبت حجية جميع مراسيله (قده ) -كما ذهب اليه جمع - الا ان ما نسبه الى المعصوم عليه السلام على سبيل الجزم حجة ومعتمد عليه .
وهذا الوجه اعتمده السيد الاستاذ (قدس سره ) في بعض دوراته الاصولية(1) ثم عدل عنه ، ورده بان غاية ما يدل عليه هذا النحو من النقل هو صحة الخبر عند الصدوق ، وامّا صحته عندنا فلم تثبت لاختلاف المباني في حجية الخبر، فان بعضهم قائل بحجية خصوص خبر العادل مع ما في معنى العدالة من الاختلاف ، حتى قال بعضهم العدالة هي اظهار الشهادتين مع عدم ظهور الفسق ، وبعضهم قائل بحجية خبر الثقة، وبعضهم لا يرى جواز العمل الا بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة العلمية فمع وجود هذا الاختلاف في حجية الخبر، كيف يكون اعتماد أحد على خبر مستلزماً لحجيته عند غيره (2).

____________
(1) الدراسات : 322 .
(2) مصباح الأصول 2 | 520 .

(86 )
ويمكن ان يناقش فيما افاده نقضاً وحلاً.
اما (النقض ) فبتوثيقات الرجاليين وتضعيفاتهم فانه (قدس سره ) يعتمدها رغم تأتي هذا الاحتمال فيها ايضاً ولا موجب للتفريق بينها وبين ما نحن فيه ، اذ لا شاهد على انهم في مقام جرح الرواة أوتعديلهم يعتمدون على طريقة خاصة غير ما يعتمدونها في مقام نسبة القول الى المعصوم ، بل الظاهر ان اثبات المخبر به عندهم في المقامين على منهج واحد .
وما يقال من كثرة الكتب المؤلفة في الرجال المتضمنة لاحوال الرواة مما لم يصل الينا، فيحتمل استناد الرجاليين اليها في الجرح والتعديل ، يأتي نظيره في كتب الحديث ايضا، بل ان كتب الحديث المؤلفة من زمان الامام الصادق عليه السلام الى زمن الصدوق - مما فقد في الاعصار المتأخرة - أزيد بكثير مما صنف في الجرح والتعديل .
واما الحل فبما ذكره (قدس سره ) في غير هذا المقام (1) - بناءً على مختاره من حجية خبر الثقة- وهو انه اذا لم يعلم ان منشأ الإخبار هل هو الحس أو الحدس ، فالقاعدة الاولية وان كانت تقتضي عدم حجية هذا الاخبار - نظراً الى ان ادلة حجية خبر الثقة لاتشمل الاخبار الحدسية ، فاذا احتمل ان الخبر حدسي كانت الشبهة مصداقية ولا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، الا ان هناك أصلا ثانويأ حاكمأ على هذه القاعدة وهو اصالة الحس الثابتة ببناء العقلاء- فان سيرتهم قائمة على حجية خبر الثقة في الحسيات فيما لم يعلم انه نشأ من الحدس ، وعلى ضوء هذا فيقال في المقام ان مجرد عدم العلم بمعنى المخبر في اخباره لا يوجب الحكم بعدم حجية خبره بعد وجود احتمال الحس في حقه ، ولا ريب في أن احتمال
____________
(1) لاحظ معجم الرجال ا : 41 .

(87 )
الحس في خبر الصدوق - ولو من جهة نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة- موجود وجدانا فيلزم البناء على حجية خبره .
هذا والصحيح في الجواب عن الوجه المذكور ما اوضحناه في مبحث حجية الخبر الواحد .
اولاً: من أن التحقيق هو حجية الخبر الموثوق به دون خبر الثقة،، وعليه فلا بد من حصول الوثوق عندنا بثبوت المخبربه ، ولا يكفي مجرد وثوق المخبر بصحة خبره في ذلك ، إذا لم يستوجب الوثوق لدينا .
وثانيا : انه لوكان تصحيح الصدوق (قده ) للخبر وجزمه به حجة على ثبوته فلا وجه لتخصيص ذلك بمراسيله التي جاءت بصيغة جزمية، بل ينبغي القول بحجية جميع مراسيله ، بل جميع ما ابتدأ فيه باسم شخص لم يذكر طريقه اليه في المشيخة، اذا كان هو ومن يروي عنه من الوسائط - ان وجدت - من الثقات ، والوجه في ذلك انه (قدس سره ) قد شهد في مقدمة كتابه بصحة جميع ما رواه فيه ، حيث قال : (ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت الى ايراد ما أفتي به واحكم بصحته واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته ) (1).
وعلى ضوء هذا فتفريقه بين الروايات في التعبير، حيث يعبر تارة بالرواية ، واخرى بالقول ، وثالثة بالسؤال ، أو يستعمل صيغة المعلوم تارة، وصيغة المجهول اخرى . . . الخ ليس الا ضربا من التفنن في التعبير، حذرا من التكرار الممل كما يشهد له اختلاف تعبيره في مورد راو واحد ممن اليه سند في المشيخة .
وبهذا يظهر بطلان كل مبنىً يستند الى التفريق بين هذه التعابير، كأن يقال (2) مثلأ: ان اسانيد المشيخة لا تشمل الروايات التي وردت في الفقيه
____________
(1) من لايحضرالفقيه 3|1.
(2) مستند العروة الوثقى - كتاب الصوم 2 | 203 .

(88 )
بصيغة المجهول اعني (روي )، او يقال : إنها لا تشمل ما عبر فيه بصيغة السؤال ، لان الاسانيد انما هي الى روايات الرجال وليست الى اسئلتهم ، او غير ذلك مضافاً الى بطلان امثال هذه التفاصيل بوجوه اخرى تعرضنا لها في محل آخر.
وثالثا : ان هذا الحديث - اي لا ضرر ولا ضرار في الاسلام - قد اورده الصدوق كما ذكرنا سابقأ وسيأتي تفصيله ان شاء الله تعالى في مقام الاحتجاج على العامة، وذكر الحديث في هذا السياق لا يعني الاعتراف بصحته ولوكان التعبير بظاهره جزميا، لأنه حينئذ في قوة ان يقول (مع قول النبي صلى الله عليه وآله فيما رويتموه . . . ) وعلى ذلك فلا يمكن تصحيح هذا الحديث وإن قلنا بصحة مراسيله المسندة الى المعصوم عليه السلام بصيغة جزمية في سائر الموارد.
وبذلك كله يظهر عدم تمامية الوجه المذكور.
الوجه الثالث : أن يقال : ان هذا الخبر مع هذه الزيادة وان كان ضعيفا سندا الا أنه منجبر ضفه بعمل الاصحاب به واعتمادهم عليه ، كالصدوق في الفقيه والشيخ في الخلاف والعلآمة في التذكرة وغيرهم .
ويمكن ان يناقش فيه - بعد تسليم الكبرى-.
اولأ : بان هذا المقدار لا يكفي في جبر الخبر الضعيف ، فإن الجبر عند القائل به انما يتم في موارد عمل المشهوربه لا بمجرد عمل البعض كما هو الحال في المقام .
وثانيأ : انه لم يظهر اعتماد هذا البعض ايضا على حديث (لا ضررولا ضرار في الاسلام )، لأن ما يستدل به علماؤنا في المسائل الخلافية من الروايات المروية بطرق العامة ، ليس من باب الاعتماد عليها وانما هو من باب الاحتجاج على الخصم بما يعترف بحجيته ، ونقل الرواية في الخلاف
(89 )
والتذكرة انما هومن هذا القبيل .
بل الامركذلك في نقل الفقيه ايضا لأن هذا الكتاب وان لم يكن قد وضعه شيخنا الصدوق (قده ) للمحاجة مع العامة في الفروع ، الاّ أنه قد تعرض لرد كلامهم في عدة مسائل خلافية، وقد كان منهجه في هذه المسائل نقل اخبار العامة التي تؤيد رأي الامامية وتقوم حجة عليهم .
وكانت من تلكم المسائل مسالة إرث المسلم من الكافر، وهي التي ذكر فيها حديث (لا ضرر ولا ضرار مع زيادة في الاسلام ) فقد ذهب اكثر العامة الى ان المسلم لا يرث الكافر، وذهب الامامية الى انه يرثه ، ولكن الكافر لا يرث من المسلم وقد وافقهم في ذلك جمع من العامة ايضا، ونسبوا ذلك الى معاذ، ومعاوية، ومحمد بن الحنفية، وعلي بن الحسين ، ومسروق ، وعبدالله بن معقل ، والشعبي ، والنخعي ، ويحيى بن معمر، واسحاق ، وهو رواية عن عمر(1)، وذكر الشوكاني في نيل الاوطار في شرح قوله صلى الله عليه وآله (لا يتوارث اهل ملتين ) انه لا يرث اهل ملة كفرية، من اهل ملة كفرية اخرى، وبه قال الاوزاعي ومالك واحمد والهادوية، وحمله الجمهور على أن احدى الملتين هي الاسلام والاخرى هي الكفر ولا يخفى بعد ذلك (2) .
ونحن ننقل فيما يلي عبارة الصدوق في هذه المسالة مع تعقيبها بشيء من الشرح لكي يتضح ما ذكرناه قال (3) (قده ) : "باب ميراث اهل الملل : لا يتوارث اهل ملتين والمسلم يرث الكافروالكافر لا يرث المسلم ) ويلاحظ ان تعقيب الجملة الأولى التي هي موضع استدلال العامة بالجملة الثانية، بيان
____________
(1) المغني 7: 167 .
(2) نيل الأوطار 6 : 194 .
(3) الفقيه 4 : 244 | 782 .

(90 )
للجواب عن هذا الاستدلال بان المراد هو نفي التوارث من الطرفين متخذا ذلك من بعض الاخبار التي نقلها بعد ذلك ، وهو خبر عبدالرحمن بن اعين عن ابي عبدالله عليه السلام قال لا يتوارث اهل ملتين نحن نرثهم ولا يرثونا؛ ونفي التوارث لا يستلزم نفي الإرث من أحد الطرفين للآخر.
، ثم قال (قده ) (وذلك ان أصل الحكم في اموال المشركين أنها فيء للمسلمين وان المسلمين احق بها من المشركين )(1)والمقصود بهذه العبارة بيان أن رجوع أموالهم الى المسلمين أمر على وفق القاعدة، الأ أن الذمة منعت عن استحلال اموالهم من قبل المسلمين ، وهذا نوع استحسان ذكره احتجاجا على العامة .
ثم قال (ره ) (وان الله عز وجل انما حرم على الكفار الميراث عقوبة لهم بكفرهم ، كما حرم على القاتل عقوبة لقتله )(2)وهذا من قبيل استنباط العلة للحكم - بملاحظة ما يشترك معه في ذلك -لمنع تعميمه لميراث المسلم من الكافر وهو من قبيل القياس.
ثم قال (قده ) (فاما المسلم فلأي جرم وعقوبة يحرم الميراث ) وهذا ايضا مبني على استنباط ان موانع الارث انما هي من قبيل العقاب على فعل قبيح - لا محالة- كالقتل والكفر، فلا معنى لحرمان المسلم من الميراث ، وهذا نوع من الاجتهاد بالرأي ايضا ذكر احتجاجأ على العامة .
ثم ذكر (قده ) (وكيف صار الاسلام يزيده شرا) وهذا الاستبعاد إذا كان استبعادا للموضوع في نفسه -كما يظهرمن لحنه - بغض النظرعن توجيهه بملاحظة الاخبار التي نقلها بعد ذلك - فهو ايضا نوع من الاجتهاد بالرأي .
ثم قال (ره ) مع قول النبي صلى الله عليه وآله (الاسلام يزيد ولا ينقص ) وهذا احد إدلة من قال بقولنا من العامة وهوجزء من رواية ابي الاسود
____________
(1 و 2) الفقيه 4 : 243 .

(91 )
التي نقلها (قده ) بعد ذلك ، وهي مروية في كثيرمن كتبهم كما سيجيء ، وقد اجاب عنه ابن حجرفي فتح الباري بانه محمول على انه يفضل عن غيره من الاديان ولا تعلق له بالارث .
ثم ذكر (قده ) ومع قوله (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) وقد مضى تخريج هذا الحديث بهذا اللفظ من مصادرهم . ويلاحظ أيضا انه لم يحتج بهذا الحديث على مذهب الامامية في هذه المسالة السيد المرتضى في الانتصار، والشيخ الطوسي في الخلاف ، ولعل منشؤه أن مبنى الاستدلال به هنا على حمل كلمة (الاسلام ) على الاعتقاد بالدين ، وجعل كلمة (في ) للتعليل ليكون المعنى (لا ضرر ولا ضرار على المرء باسلامه )وهذا مخالف لظاهر الحديث من كون الاسلام بمعنى الدين وكون (في ) للظرفية كما سيجيء توضيحه ان شاء الله تعالى.
ثم ذكره (قد،) (فالاسلام يزيد المسلم خيرا ولا يزيده شرأ) وهذا استنتاج من الخبرين فهومن كلام الصدوق نفسه وليس في الروايات كما ظنه صاحب الوسائل (ره ) .
ثم قال (قده ) (ومع قوله عليه السلام الاسلام يعلو ولا يعلى عليه )، وهذا الحديث مروي ايضا من طرق العامة رواه البخاري في صحيحه(1) وقد استدل به في نيل الاوطار(2) على هذا القول .
ثم ذكر (ره ) (والكفار بمنزلة الموتى لا يحجبون ولا يرثون ) وهذا تقريب للموضوع .
ثم قال (قده ) (وروي عن ابي الاسود الدؤلي أن معاذ بن جبل كان باليمن فاجتمعوا اليه ، وقالوا : يهودي مات وترك اخاً مسلماً، فقال معاذ
____________
(1) صحيح البخاري 2 : 17 (فيه عن ابن عباس وباسقاط قوله عليه عن آخره ) .
(2) نيل الأوطار 6 : 193 .

(92 )
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول الاسلام يزيد ولا ينقص ، فورث المسلم من اخيه اليهودي ) وهذه الرواية مذكورة في مسند احمد(1)، والمستدرك للحاكم (2)، ونقلت عن سنن ابي داود والبيهقي (3)، وقد أوردها السيد المرتضى في الانتصار(4)، وقال (على ان هذه الاخبار معارضة بما يرويه مخالفونا وقال : حدثني ابو الاسود الدؤلي : ان رجلاً حدثه ان معاذاً قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول (الاسلام يزيد ولا ينقص فورث المسلم )، ومنه يظهر أن نقل ابي الاسود عن معاذ مرسل ، ولا اشكال في ان الصدوق (قده ) إنما نقل هذا الحديث من مصادر العامة ، أو من كتب بعض قدمائنا ممن الًف في الرد عليهم كالفضل بن شاذان وغيره .
____________
(1) مسند أحمد بن حنبل 5 | 230 .
(2) المستدرك على الصحيحين 4 : 345.
(3) سنن أبي داود 3 : 126 | 2913 .
(4) الانتصار : 304 .