إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

"" من ذكريات صديقي ""

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "" من ذكريات صديقي ""

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللّهم صلّ على محمد وآل محمد

    من موائد الطعام تأدّبنا::

    بينما كنا نتمشى أنا وصديقي القديم، رأينا عائلة جالسة في إحدى الحدائق العامة ويبدو عليها الانسجام من خلال التودد لبعضهم البعض وحنو الأب على أحد أبنائه وهو يمسح ما علق على شفتيه من الطعام، والأم تضع ابنتها في حجرها وتطعمها بكل حنّية وثالث يتناول الطعام بكل أدب، حينها ظهرت من صديقي إبتسامة ملفتة، فبادرني بالقول: انّ هذا الموقف يذكرني بوالدي رحمه الله..
    فقلت وكيف ذلك..
    فقال: كان أبي معروفاً بشدته وقساوته، فهو لا يتهاون مع أي خطأ يراه، ويعاقب عليه بشدة..
    ومن الأشياء المهمة لديه ولا يتنازل عنها أبداً هو حضور العائلة كلّها على مائدة واحدة وفي وقت معروف لدى الجميع، ولا يقبل بالتخلف عنه إلا لعذر مانع.. بالرغم من اننا في بعض الأحيان قد نتأخر بسبب انتظار حضور أحد أفراد العائلة الذي تغيّب لسبب وجيه..
    من خلال هذه الجلسة الغذائية العائلية كنا نرقب بحذر عيني والدي، خوفا من أن نخطئ بشئ فيكون مصيرنا المحتوم وهو العقاب لا محاله، وأدناه التوبيخ الشديد..
    كانت معاملته فيها نوع من الخشونة والقساوة، وكنا نحسب في بعض الأحيان انّه ربما يكرهنا (ولكن أثبتت لنا الأيام فيما بعد مدى حبّه لنا)، وما معاملته لنا هكذا إلا لخوفه علينا وليجعلنا نتربى تربية صحيحة فيحصننا ويقينا من هجمات العالم الخارجي (والذي يعرفه تمام المعرفة بخبرته في الحياة وسنينه التي أفناها فيها) والذي كنا نجهله تماما إلا بما يعرفوه أهلنا به..
    على المائدة.. لكل شيء آداب، في الجلوس فكل يعرف مكانه الكبير على يمين الوالد وهكذا، لا يتقدم أحدنا بمد يده الى الطعام قبل أن نرى والدنا قد إبتدأ أولاً، يسبق كل ذلك التسمية والتي يتشدّد على من لا يسمعه يقولها، الكلام شبه ممنوع إلا للضرورة..
    لم تكن هناك أصناف كثيرة ولا أطباق متعددة، ومع ذلك كنا نشبع ونشعر بحضور البركة في طعامنا، الحمد لله ربّ العالمين يجب قولها عند الانتهاء، وكانت تبدر من والدي بعض الحكم والأحاديث الشريفة أثناء جلوسنا، كان يستشهد بها لما يناسب الموقف والحالة التي كنا فيها..
    ولا أنسى.. انّ من صدرت منه بعض المشاكل في ذلك اليوم فهو (بالإضافة الى تعرضه للتوبيخ الشديد وفي أحيان كثيرة الى الضرب) يعاقب بعدم جلوسه الى مائدة الطعام، والمعاقب يكون بين فرح وحزن، فهو فرح لأنه قد تخلّص من الروتين اليومي ويشعر بالحرية، وحزين لأنه يشعر بأن هذه العقوبة هي إهانة له بحيث لا يستحق أن يجلس بين عائلته على مائدة واحدة، ومن الطريف انّه في اليوم الثاني عندما ترفع العقوبة عنه يأتي بكل فرح ليجلس بين اخوانه وقد يكون أول الجالسين..
    أما يوم الخميس وخاصة ليلة الجمعة فكان نوع الطعام يختلف نوعا ما، فهي ليلة مميزة عند والدي، فكانت هناك طقوس خاصة بعد الانتهاء من الطعام، فبعد حمد الله على نعمه التي منّها علينا وفضلنا على كثير من الناس (الذين باتوا من غير أن تدخل لقمة الى جوفهم وما أكثرهم في أرض الله الواسعة) لابد من قراءة سورة الفاتحة على أرواح المؤمنين والمؤمنات وبالخصوص أرواح أمواتنا، فكان أبي يعدّد من يعرفه من أرحامه وأصدقائه أما نحن (فقد كنا نقرأها مرة واحدة ونخصّها للكل!!)، وبعد الانتهاء من الأكل.. يا ويل من تكاسل أو نسي غسل يديه..
    هذه هي جزئية بسيطة من الحياة التي كنا نعيشها، وكنت صغيراً أنتقدها بشدة للتقيد في الوقت المحدد، لأننا كنا في بعض الأحيان نجوع قبل هذا الموعد فلا يحق لنا ان نأكل، وفي أحيان أخرى بالعكس لا نشعر بالجوع ولكننا يجب أن نأكل..
    والمفارقة اللطيفة!! انّ ما كنت أنتقده صرت حريصاً على تطبيقه على عائلتي، وأنتقد كل عائلة لا تلتزم به، وأعدها عائلة غير اجتماعية..
    لأنني أدركت عندما صارت لي عائلة مدى التلاحم والتماسك الذي تخلقه هذه الجلسة، فالطفل يتعلم من والديه آداب الاحترام والتأدب وطريقة الأكل المهذبة وغيرها من الأمور التي لا يتعلمها الطفل ما لم يجلس تلك الجلسة، فهي تطبيق عملي لما يقوله الوالدان وحتى ما يقوله المعلم في المدرسة..
    ما ان انتهى صديقي من سرد بعض ذكرياته إلا ونحن قد تجاوزنا بيتنا.. فودعته شاكراً له تلك الذكريات الجميلة والتي تحمل الكثير من المعاني..

  • #2
    عذرا
    فالمقال أعاد لي ذكريات عشتها على مائدة جدي رحمه الله ورحم موتى جميع المؤمنين والمؤمنات

    حكمنا على بعض الأمور من وجهة نظر قاصرة تخلو من الخبرة بالحياة وبأفق لا يتعدى محيط الأنا
    حكم نكتشف أنه إن لم يكن خاطئ فهو ليس صائبا مئة بالمئة خصوصا بعد أن نعايش الحياة
    و نزداد خبرة ومعرفة بها وبعد أن نقف في ذات الموقف أو موقف شبيه له يتطلب منا أن نكون مسئولين

    فيا ترى هل سيكون حكم أبنائنا علينا مشابه لحكمنا على آبائنا وإن اختلف الجيل ؟

    ويبقى الوالدين بكل ما يقدمانه لنا وإن كان فيم يقدمان شيء من القسوة الظاهرية
    يبقيان أكثر من يحبنا ويخاف علينا ويهتم لمصلحتنا في الحياة


    طرح رائع و به التفاتة عميقة جدا تحتاج للتأمل بتمعن فيها
    شكرا جزيلا لك أخي الكريم لجودك به علينا

    الله يعطيك الصحة والعافية ويكتب لك التوفيق والحفظ والسداد

    دمت بكل خير وفي خير وعين الله ترعاك


    احترامي وتقديري


    أيها الساقي لماء الحياة...
    متى نراك..؟



    تعليق


    • #3
      المشاركة الأصلية بواسطة صادقة مشاهدة المشاركة
      عذرا
      فالمقال أعاد لي ذكريات عشتها على مائدة جدي رحمه الله ورحم موتى جميع المؤمنين والمؤمنات

      حكمنا على بعض الأمور من وجهة نظر قاصرة تخلو من الخبرة بالحياة وبأفق لا يتعدى محيط الأنا
      حكم نكتشف أنه إن لم يكن خاطئ فهو ليس صائبا مئة بالمئة خصوصا بعد أن نعايش الحياة
      و نزداد خبرة ومعرفة بها وبعد أن نقف في ذات الموقف أو موقف شبيه له يتطلب منا أن نكون مسئولين

      فيا ترى هل سيكون حكم أبنائنا علينا مشابه لحكمنا على آبائنا وإن اختلف الجيل ؟

      ويبقى الوالدين بكل ما يقدمانه لنا وإن كان فيم يقدمان شيء من القسوة الظاهرية
      يبقيان أكثر من يحبنا ويخاف علينا ويهتم لمصلحتنا في الحياة


      طرح رائع و به التفاتة عميقة جدا تحتاج للتأمل بتمعن فيها
      شكرا جزيلا لك أخي الكريم لجودك به علينا

      الله يعطيك الصحة والعافية ويكتب لك التوفيق والحفظ والسداد

      دمت بكل خير وفي خير وعين الله ترعاك


      احترامي وتقديري

      ليس الموضوع بروعة حضوركم وتعليقكم الاجمل
      ويسعدني انه قد حرك فيكم الحنين الى الماضي
      وكما تفضلتم فتبقى رؤيتنا ونحن صغار قاصرة عما يرونه لنا اهلنا
      ولا اعتقد انه يوجد اب لايريد الخير والصلاح لاولاده وان اختلفت الظروف والاساليب
      ويبقى الاب هو انسان يخضع لضغوطات الحياة والظروف القاسية التي قد تمر عليه مما قد يفرزه على واقع البيت
      وهذا طبعا غير صحيح ولكن ليس كل الناس بنفس التفكير، وهناك امور تُخرج الانسان عن طوره في بعض الاحيان
      ولكن يبقى هدفه الاسمى هو رؤية اولاده احسن الناس
      ولا يكتشف الاولاد ذلك الا بعد المرور بنفس التجربة، اي تكوين العائلة

      تألق موضوعي المتواضع بمروركم الكريم
      دمتم متألقين.................

      تعليق


      • #4
        بورك يراعكم أستاذنا الفاضل {أبو منتظر } لقد أرجعتنا الى ذاكرة
        الماضي التي أحن اليها كثيراً ، وهذه العادات التي يلتزم بها الأجداد والآباء ربما
        كنا نرى فيها إجحاف بحقنا ، ولكنها كلها كانت سنن نبوية قد تعلموها ويحبون ان نسير على
        خطاهم في تطبيقها، وهذه الأمور التي ذكرتموها
        كان والدي شديد الحرص على تطبيقها (رحمه الله تعالى)
        وربما عندما كنت صغيرة إنتقدتها لأني لم اكن أدرك الحكمة التي فيها
        ولكني بعد أن أصبحت أم لعائلة وجدت نفسي أطبقها على عائلتي من غير أن أشعر
        لقد صارت عندنا ملكة ،لأنها بقيت في الذاكرة معطرة بأريج الماضي
        شكراً لطرحكم الراقي

        تعليق


        • #5
          عندما تمتزج الاداب الاسلامية مع العادات الفطرية تكون للحياة نكهة خاصة ويبقى عبقها في الذاكرة لانها تحمل في واقعها الاصالة والتراث ..
          وليتنا نعود لتلكم القيم والعادات في دنيا التغير والانقلاب المفهومي ..
          هناك من يسمي تراث الاسرة المحافظة بالتعقيد والتعجرف ..
          وهناك من يسميها بالتخلف وكتم الانفاس ..
          وهناك من يرها حياة تخلو من الحرية ..
          ولو امعنوا جيدا لرئوا ان تلكم العادات الفطرية هي سبب البركة التي نفتقدها الان

          الاخ الكريم ابومنتظر حضور مبارك وطرح جميل اهلا وسهلا
          شرفا وهبه الخالق لي ان اكون خادما لابي الفضل



          تعليق


          • #6
            المشاركة الأصلية بواسطة شجون فاطمة مشاهدة المشاركة
            بورك يراعكم أستاذنا الفاضل {أبو منتظر } لقد أرجعتنا الى ذاكرة
            الماضي التي أحن اليها كثيراً ، وهذه العادات التي يلتزم بها الأجداد والآباء ربما
            كنا نرى فيها إجحاف بحقنا ، ولكنها كلها كانت سنن نبوية قد تعلموها ويحبون ان نسير على
            خطاهم في تطبيقها، وهذه الأمور التي ذكرتموها
            كان والدي شديد الحرص على تطبيقها (رحمه الله تعالى)
            وربما عندما كنت صغيرة إنتقدتها لأني لم اكن أدرك الحكمة التي فيها
            ولكني بعد أن أصبحت أم لعائلة وجدت نفسي أطبقها على عائلتي من غير أن أشعر
            لقد صارت عندنا ملكة ،لأنها بقيت في الذاكرة معطرة بأريج الماضي
            شكراً لطرحكم الراقي
            نعم اختي الكريمة فنحن لم نعي حقيقة الامر في ذلك الوقت الى ان كبرنا وعرفنا خوف وحرص اهلنا علينا
            مع ان ذلك الوقت لم يكن بهذه القساوة وهذا المد المتسافل الجارف فما بالكم باليوم وغدا....
            وما اجمل الحفاظ على تقاليد وتراث الاهل الذي يحفظ المبادئ والاخلاق الحقيقية.....

            سلمت اناملكم فيما خطت وكتبت.. وابداع حرفكم يدل على طيب تربيتكم وعلو اخلاقكم
            دمتم رائعين متألقين...................

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة خادم أبي الفضل مشاهدة المشاركة
              عندما تمتزج الاداب الاسلامية مع العادات الفطرية تكون للحياة نكهة خاصة ويبقى عبقها في الذاكرة لانها تحمل في واقعها الاصالة والتراث ..
              وليتنا نعود لتلكم القيم والعادات في دنيا التغير والانقلاب المفهومي ..
              هناك من يسمي تراث الاسرة المحافظة بالتعقيد والتعجرف ..
              وهناك من يسميها بالتخلف وكتم الانفاس ..
              وهناك من يرها حياة تخلو من الحرية ..
              ولو امعنوا جيدا لرئوا ان تلكم العادات الفطرية هي سبب البركة التي نفتقدها الان

              الاخ الكريم ابومنتظر حضور مبارك وطرح جميل اهلا وسهلا
              مشرفنا الكريم كم هي رائعة تلك الكلمات التي سطرتموها ، ولا غرابة .. فلكم السبق في هذا االقسم المبارك ومن مواضيعكم ومشاركاتكم نتعلم ونستفيد ولنا الفخر
              فبوركت سواعدكم وطهر رحيق قلمكم
              دمتم متألقين..............

              تعليق

              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
              حفظ-تلقائي
              Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
              x
              يعمل...
              X