إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مقالة عرفانية حقيقة الاخلاص الجزء الاول - كمال الحيدري

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقالة عرفانية حقيقة الاخلاص الجزء الاول - كمال الحيدري

    لا شكّ أنّ لكلّ فعل أخلاقيّ قيمة كامنة فيه، سواء كان الفعل في دائرة الإيجاب أو في دائرة السلب، وهذه القيمة الأخلاقية معلولة لأمر آخر ـ غير الفعل نفسه ـ وهو ما يُصطلح عليه بالنيّة، وهذه النيّة هي موصوف الإخلاص و ما يقابله، أعني الشوب كما سيأتي. وبهذا يتّضح لنا السرّ في التفاوت الحاصل في الفعل الأخلاقي ـ خيراً كان أو شرّاً ـ فإنّ مرجع التفاوت هو درجات ومراتب النيّة. وهذا التفاوت في مراتب النيّة مرجعه إلى متعلّق النيّة وهو الكمال المرئيّ لصاحب النيّة والذي تعلّقت به النيّة، ما يكشف لنا ضمناً أنّ الكمال مع كونه مطلوباً ذاتيّاً للإنسان،وأنّ الإنسان مفطور على حبّه، وأنّ هذا الحبّ للكمال يُمثِّل درجة شديدة من وجوده التكويني، إلاّ أنّ مراتب هذا الكمال ومصاديقه ليست واضحة للجميع، ولذا لزم معرفتها، والوقوف عندها إمّا بواسطة العقل أو النقل1، ولعلّنا نقف عند هذه النكتة فيبحث آخر من هذا الكتاب2. فالنيّة هي المنظور الأوّل في العمل الأخلاقي، وهي القيمة الفعلية له. عن النبيّ صلى الله عليه وآله: (إنّما الأعمال بالنيّات، ولكلّ امرئ ما نوى)3. وإنّ (النيّة أساس العمل)4. وإنّ (الأعمال ثـمار النيّات)5. بل إنّ(نيّة المؤمن خيرٌ من عمله ونيّة الفاجر شرٌّ من عمله)6. والسرّ في تفضيل نيّة المؤمن على عمله ـ كما جاء في جواب الإمام الصادق عليه السلام ـ هو: (لأنّ العمل ربّما كان رياءً للمخلوقين ، والنيّة خالصة لربّ العالمين ، فيُعطي تعالى على النيّة ما لا يُعطي على العمل)7. أو بعبارة أخرى: إنّ نيّة المؤمن خيرٌ من عمله، لأنّ النيّة إنّما تُمثّل المحتوى الداخلي للفرد، وهذا المحتوى أهمّ من العمل بطبيعة الحال8.
    بعبارة ثالثة: إنّ لكلّ عمل صورة ظاهرية وأخرى باطنية ، والأول ىبشكل وإطار لا يمثِّل حقيقة العمل، بخلاف الأخرى التي تمثّل حقيقة العمل. فالنيّة هي حقيقة العمل وصورته الكامنة في سرّ الفاعل، بخلاف العمل الخارجي المرئي للعيان.ومن هنا يمكن القول: إنّ ظاهر صلاة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وظاهر صلاة المرائي والمنافق متضاهيان في الأجزاء والشرائط والشكل والهيئة ولكنّهما مختلفان من الناحية الباطنية ـ
    النيّة ـ فإنّنا نجد أنّ أمير المؤمنين عليه السلام يعرج بعمله إلى الله تعالى وأنّ لصلاته صورة ملكوتية أعلى، وأمّا المرائي أو المنافق فإنّه يغور في أعماق جهنّم ولصلاته الباطنية صورة ملكوتية سُفلى.9
    من هنا سوف تتّضح لنا عدّة نكات قرآنية تتعلّق بحقيقة النيّة التي يكون عليها العبد، من قبيل قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَـهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)10. فلو أنفق أحدنا أموالاً ضخمة دون أن يقصد فيها وجه الله تعالى وسبيله فهل سيُضاعف له الأجر أو العمل سبعمئة مرّة ـ بل يُضاعَف له بما شاء الله تعالى ـ كما هو صريح الآية؟ الواقع: إنّ الآية الكريمة تجعل ملاك المضاعفة ـالمحدّدة والمطلقة ـ قصد سبيل الله تعالى ووجهه. وهذا هو معنى كون النيّة هي أساس العمل، وأنّ الأعمال ثمارها. وهكذا الحال في آيات أخرى تُعبِّر عن قصد السبيل والوجه الكريم بالقرض الحسن لله تعالى، من قبيل: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَقَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً)11، أي يُنفق في سبيلالله وطاعته. والتعبير بكون الأضعاف كثيرة هو كناية عن عدم إمكان إحصائها12، وهكذا الحال في آيات أخرى.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) انظر: كلمةحول فلسفة الأخلاق، مصدر سابق: ص30.(2) انظر: عنوان (مراتب الحبّ الإلهي) من هذاالفصل.(3) تهذيب الأحكام مصدر سابق: ج4 ص186 ح2، باب نيّة الصيام.(4) غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق: رقم 1040.(5) المصدر السابق: 292.(6) كنز العمّال في سُنن الأقوال لعلاء الدِّين المتّقيالهندي، تصحيح صفوة السقا، نشر مكتبة التراث الإسلامي، الطبعة الأولى، 1397هـ،بيروت: تحت رقم 7272.(7) علل الشرائع للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بنبابويه الملقّب بالصدوق، نشر دار إحياء التراث، الطبعة الأولى، 1408هـ، بيروت:ص124 ح1.(8) انظر: فقه الأخلاق، مصدر سابق: ص22.(9) انظر: الأربعون، للإمام الخميني: مؤسّسة دار الكتابالإسلامي، قم: ص308.(10) البقرة: 261.(11) البقرة: 245.(12) مجمع البيان في تفسير القرآن لأبي علي الفضل بن الحسنالطبرسي، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى، 1415هـ، بيروت: ج2 ص136ـ137.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X