بسم الله الرحمن الرحيم
أهداف الدرس:
1. المهارات الصوتية: الطنين, الإنعطاف الصوتي, الإهتزازات الصوتية, العُرب الصوتية, طول النفس.
في درسنا هذا سنواصل الحديث عن الصوت و لكن سيكون حديثنا هنا عن المهارات الصوتية التي يحتاج القارئ لتطويرها لتزين الصوت و تحسين الأداء.
المهارات الصوتية:
قبل الحديث عن المهارات الصوتية, دعونا نتحدث عن الفرق بين المهارات الصوتية و الخصائص الصوتية. إن الخصائص الصوتية هي من ذات الصوت, بمعنى أنها أمور توجد في جميع الأصوات, و لكن نسبتها تختلف من صوت لآخر. فكل صوت -مثلاً- له مدى صوتي معين, و لكن قد تمتاز بعض الأصوات بالمدى الصوتي الكبير و بعضها بالمدى الصوتي الصغير.
أما المهارات الصوتية فهي أمور يزيدها القارئ لصوته ليزيد من حلاوته و قدراته. و تختلف الأصوات في قابليتها لتقبل المهارات. و على سبيل المثال, سنرى كيف تفيد الإهتزازات الصوتية في تجميل الصوت, و لكن ليست قابلية كل الأصوات متساوبة في الإتيان بالاهتزازات الصوتية.
فتعالوا نتعرف سوياً على بعض المهارات الصوتية المهمة لقراء القرآن الكريم.
1. الطنين (Resonance): و هو عبارة عن تضخم في الصوت يحدث بسبب خاصية فيزيائية معينة تعتمد على المساحة التي يتردد فيها الصوت. و في حالتنا هذه فالمساحة تعني الحنجرة و فضاء الفم و التجويف الأنفي.
و كثير من الناس يسأل كيف أجعل صوتي أضخم و أعمق. و الجواب يكمن في الطنين الصوتي حيث أن للطنين أهمية كبيرة في جعل الصوت ذا مادة تملأ أذن المستمع. و عادة نطلق على مثل هذه الأصوات بـ"الأصوات الجهورة". و لعلك تلاحظ أن بعض القراء يرفع يده و يضعها على خده أو بجانب فمه, و لهذه الحركة تأثير في تضخيم الصوت أيضاً مشابهة لأثر الطنين, و لكن لا غنى لأي قارئ عن الطنين و إلا فإن صوته سيكون باهتاً و ضعيفاً.
و كما يساعد الطنين في تضخيم الصوت و اكسابه جمالاً لدى المستمع, فإن الطنين يساهم في جعل القارئ أكثر راحة عند التلاوة لأنه –أي القارئ- يبذل جهداً أقل عندما يسمع صوته ينعكس بقوة إلى أذنه.
و بسبب اختلاف تكوين الجهاز الصوتي لكل شخص, فإن المتعلم يحتاج إلى أن يكتشف الوضعية المعينة التي تسمح لصوته بالطنين. و أقصد بالوضعية هنا وضع اللسان و الحنك لأنهما العضوان الوحيدان اللذان تستطيع تحريكهما لتغيير حجم فضاء الفم. و لذلك فإن الطنين يحتاج للبحث و الاسكتشاف. و طريقته أن المتعلم سيكتشف مع الوقت أن هنالك وضعاً معينا للفم يكون عنده الصوت ضخماً. لذلك عليك بأن تقوم بتغيير وضعية فمك بحيث و حاول اكتشاف الوضعية التي تسمح لصوتك بالطنين.
و هنا يجب توضيح أمر, أن الطنين هو تضخم طبيعي, و ليس كالتضخيم المصطنع الذي نقوم به أحيانا حين نريد صنع صوت ضخم (لإخافة الأطفال مثلاً). و الفرق هو أنك تحس بالتكلف في هذا الأخير, بينما الطنبن فلا تشعر فيه بالتكلف أبداً.
و هنالك نصيحة مهمة و هي محاولة التقليل من استخدام المايكرفون خلال التدريب إلى أكثر قدر ممكن. لأن المايكروفون يجعل المتدرب يشعر بأن صوته ضخماً فلا يحاول تطوير الطنين لديه. و هذه النصيحة تساهم كثيراً في تقوية الصوت و تضخيمه و لعل هذا أحد أسباب كون القراء الأوائل كانوا أصحاب أصوات أقوى و أعمق من القراء المعاصرين لقلة اعتمادهم على المضخمات الصناعية.
2.الإهتزازات الصوتية (Vibrato): عبارة عن اهتزازات في الصوت تنتج بسبب الإنتقال السريع بين الطبقات الصوتية.
و هي من أكثر مظاهر الصوت أهمية و من أكثر الأشياء التي يتذوقها المستمع. و الإهتزازات تعتمد بدرجة كبير على مرونة العضلات المجاورة للأحبال الصوتية حيث أنه كلما زادت مرونة هذه العضلات استطاع القارئ هز صوته بدرجة أسرع مصدراً اهتزازاتٍ أسرع.
و تتخذ الإهتزازات الصوتية أشكالاً مختلفة, و يمكن للقارئ تزين وسط المقطع أو القفلة بطرق مختلفة. و المهم ملاحظة أن استخدام الإهتزازات يجب أن لا يكون مبالغاً فيه, لأن ذلك يشوه التلاوة, خصوصاً إذا كان متكلفاً.
و إليكم بعض الأمثلة على الإهتزازات الصوتية:
مثال 1: الشيح الشحات أنور (في المد في كلمة "ثمود")
(للتحميل)
مثال 2: الشيخ عبد الباسط عبد الصمد (عند كلمة "كتابك")
(للتحميل)
مثال 3: الشيخ محمد صديق المنشاوي (حاول التعرف على الإهتزازات)
(للتحميل)
مثال 4: و هذا مثال على الإهتزازات من أحد الموشحات,
(للتحميل)
و يمكنك ملاحظتها في الأداء الفردي, و المؤدي هو المنشد الإيراني "محمد أصفهاني".
و لكل شخص مقدرة معينة على الإتيان بالإهتزازات الصوتية, فبعض الأصوات بطبيعتها أكثر مرونة من الأخرى. و لكن يستطيع الشخص أن يحسن من مستوى الإهتزازات لديه. و كثيراً ما تساعد الإهتزازات في تحقيق القفلات السليمة خصوصاً على بعض الكلمات الصعبة.
و لتطوير الإهتزازات الصوتية يحتاج القارئ لمحاكاة العديد من الأمثلة و خصوصاً الصعبة منها حتى يتقنها و هذا يتطلب وقتاً و لكنه يستحق الجهد, لتأثيره على جمال الأداء.
3. الإنعطاف الصوتي: و هو عبارة عن خروج من الطبقة الصوتية إلى طبقة مختلفة. فمثلاً الخروج من طبقة جواب الجواب إلى الجواب أو القرار, أو العكس.
و يستخدم الإنعطاف عند الكثير من القراء للتزين أحيانا و لعكس بعض المعاني في أحيانٍ أخرى. فمثلاً يمكن نطق كلمة "السماء" بجواب الجواب, بينما كلمة الأرض بالقرار و ذلك لتبيان الفرق في المعني.
و إليكم بعض الأمثلة على الإنعطاف الصوتي بأصوات كبار القراء, و كما ذكرنا فالإنعطاف قد يكون بالصعود لدرجة أعلى أو الهبوط لطبقة أدنى:
مثال 5: هبوط - الشيخ كامل يوسف البهتيمي (في نهاية كلمة "هذا")
(للتحميل)
مثال 6: هبوط - الشيخ مصطفى إسماعيل (في نهاية كلمة "الحاقة")
(للتحميل)
مثال 7: هبوط - الشيخ محمد بسيوني (عند كلمة "الليل")
(للتحميل)
مثال 8: هبوط – الشيخ محمد شبيب (في نهاية كلمة "آلهة")
(للتحميل)
مثال 9: إرتفاع- الشيخ محمد شبيب ( في نهاية كلمة "إسرائيل")
(للتحميل)
4. العُرب الصوتية:العرب هي عبارة عن إنكسار في الصوت بشكل متعمد أو عفوي. و تدل العُرب على تمكن القارئ من صوته لمقدرته على كسر الصوت و العودة لصوته الطبيعي بطريقة سلسلة.
و تعتير العُرب من المهارات الصوتية المجمّلة للأداء كثيراً لأنها تحاكي البكاء نوعاً ما, فتكسو التلاوة بطابع من الروحانية و الحزن. و يمكن أن تكون العرب طبيعية أو مصطنعة, و هذا يعتمد على خامة الصوت.
و إليكم أمثلة على العُرب بأصوات كبار القراء.
المثال 10:الشيخ كامل يوسف البهتيمي (في كلمتي "الرحمن" و "يمشون")
(للتحميل)
المثال 11:الشيخ محمد الليثي (في كلمتي "السماوات" و "ربنا")
(للتحميل)
5. طول النفس:و هو المقدرة على الإتيان بمقطع واحد طويل دون تجديد النفس. و هي لا شك من أهم المهارات التي يحتاجها القارئ. و يتميز بعض القراء بطول النفس و على رأسهم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد و الشيخ سيد متولي عبد العال و الشيخ الليثي و غيرهم.
و إليكم بعض الأمثلة لطول النفس:
مثال 12: الشيخ سيد متولي عبد العال
(للتحميل)
مثال 13: الشيخ محمد الليثي
(للتحميل)
و يعتمد طول النفس على أمرين: و هي كيفية أخذ النفس و كيفية صرف النفس.
كيفية أخذ النفس (الشهيق):
1. يجب أخذ الشهيق عن طريق الأنف, و ذلك لأن الأنف يساهم في تسخين الهواء الداخل للرئتين و تنقيته من الشوائب.
2. الجلوس مستقيماً و عدم حني الظهر عند أخذ النفس لأن ذلك يقلل حجم الرئة و بالتالي لا يسمح بإدخال كمية كبيرة من الهواء.
3. حجم الرئة يمكن أن يزيد مع التدريب و التمارين الرياضية كالسباحة و الجري. و كلما زادت مساحة الرئة زادت كمية الهواء الذي يمكن إدخاله فيها و بالتالي زاد طول النفس.
4. كثير من الناس يأخذ الكمية المعتادة من الهواء كما و لو أنه يتنفس بشكل طبيعي, و لا ينتبه إلا أنه يستطيع أخذ المزيد من الهواء. لذلك عليك أن تأخذ شهيقاً عميقاً قدر إمكانك للتعرف على الكمية التي تستطيع رئتك استيعابها.
كيفية صرف النفس (الزفير):
1. مراعاة صفات الحروف تساهم كثيراً في الاقتصاد في صرف النفس, فالحروف فمراعاة صفة الجهر (عكس الهمس) مثلاً يساهم في توفير النفس.
2. لاحظ أنك عند التلفظ بالآيات فإنك تقوم بعمليتين: التكلم و التنفس. و القارئ الماهر يستطيع الفصل بين العمليتين. بحيث أنه يقوم باستخدام الهواء لنطق الكلمات و تنغيمها فقط. أما عملية التنفس فيقوم بها حسب الحاجة فقط. و هذه الملاحظة صعبة الفهم للوهلة الأولى و خصوصاً عن طريق الوصف المكتوب, و التمارين وحدها كفيلة بتعريف المتعلم لكيفية تطبيق هذه النصحية.
3. تلعب الطبقات دوراً مهماً في الحفاظ على النفس, فاستخدام الطبقات الغير صحيحة و المجهدة يؤدي إلى الإستهلاك السريع للنفس.
و هنا بعض النصائح العامة لتطوير طول النفس:
1. التمرن بالتدريج على الآيات الطويلة. فيجب تحديد موضع الوقف على الآية. ثم حاول قراءة المقطع حتى الموضع الذي حددته. و بعد نجاحك, قم بزيادة كلمة واحدة على المقطع و حاول تحقيق المقطع الجديد, و هكذا.
2. النوم جيداً قبل التلاوة, فالنوم الكافي يساهم في إطالة النفس و العكس صحيح.
3. ممارسة التمرينات الرياضية التي تساهم في توسيع حجم الرئة كالسباحة و الجري.
4. طول النفس يعتمد على صحة الجهاز التنفسي, و لذلك يجب الإهتمام بصحة الجهاز التنفسي.
5. يجب تجب اختلاس النفس, حتى لو كان بطريقة غير ملاحظة, لأن ذلك غش و هو أمر يستقبحه عرف القراء.
و يجب هنا ملاحظة أن طول النفس يختلف كباقي المهارات حسب الموهبة الإلهية للقارئ, و لكن بوسع كل إنسان إطالة نفسه بناء على قابلياته.
و بهذ يكون قد انتهى حديثنا عن المهارات الصوتية. بقي لنا موضعان في حديث الصوت هما: الكيفية الصحيحة لاستخدام الطبقات الصوتية, و نصائح حول العناية بالصوت. و إلى لقاء في درس آخر.
تعليق